IMLebanon

لا أحبّ الأقوياء

لا أحبّ الطوائف، ولا القوة. وعليه، لا أحبّ السياسيين الأقوياء في الطائفة المارونية، ولا أيضاً البطريرك الراعي. لا أحبّ بالطبع الأقوياء في الطائفة الشيعية، ولا الأقوياء في الطائفة السنية، ولا الأقوياء لدى طائفة الموحدين الدروز، ولا الأقوياء في الطائفة الأرثوذكسية، ولا الأقوياء في طائفة الروم الملكيين الكاثوليك. لا أحبّ الأقوياء في الطوائف كافة، وأقول ذلك على مسؤوليتي الأدبية، ومن دون استثناء أحد. لسبب جوهري، فحواه ومختصره أني أكره القوة مطلقاً، فكيف لا أكرهها وفق التقويم اللبناني السائد لمفهوم “القوة”.

أكره هؤلاء الأقوياء، وكلّ الأقوياء الآخرين، المعلومين وغير المعلومين، لأنهم أقوياء بالسلاح والمال والطائفة والمذهب وتجييش الغرائز وتأليه المحسوبيات والانتهازية والوصولية ومعس القيم والالتحاق بالقطارات الماشية، وهلمّ. أكره هؤلاء الأقوياء، لأنهم خرّبوا فكرة لبنان، وجوهر معناه، وسبب وجوده، وهم يمعنون في التخريب، بلا هوادة، ومن دون كلل، ولا بدّ أنهم ينجزون أعمالهم بنجاح منقطع النظير، والدليل ما آل إليه لبنان بمأثر فعائلهم وأيديهم القوية، حكومات ومجالس نواب متعاقبة، لم تثمر إلاّ الهول والويل والخراب. أكره هؤلاء الأقوياء، لأنهم جعلوا لبنان واللبنانيين أرضاً للعدم والقتل والنهب والسرقة والرعب واليأس والمرارة والخيبة والفساد، ومقبرةً عامة تفوح روائح جثثها المنتنة في البرّ والبحر والجو. أكره هؤلاء الأقوياء. إنهم رهيبون حقاً، ومخيفون، وقادرون على أن يرتكبوا المجازر كلّها، المادية والمعنوية، في حقّ البلاد، وفي حقّ الأشخاص، من دون أن يرفّ لهم جفن، أو ترتعش عقولهم وأيديهم وقلوبهم. أكرههم وأخافهم في الآن نفسه، لكني لا أتورّع عن ازدرائهم. يجب أن أقول ذلك علناً، مثلما يجب أن يتخذ مثل هذا الموقف، أو ما يشبهه، سائر المواطنين الذين يدركون جيداً أن لبنان يضيع ويتشوّه ويتخرّب ويموت، بسبب هؤلاء أولاً وأخيراً، قبل أن تجتمع الأسباب الموضوعية الأخرى، من كلّ حدب وصوب، لتؤازر فعلتهم الجهنمية.

مهلاً. لستُ شخصاً كارهاً بالمعنى الفلسفي والنفسي. فأنا أحبّ “الضعفاء” مطلقاً، فكيف لا أحبّ “الضعفاء” في طوائفنا ومذاهبنا وقطعاننا اللبنانية الكريمة! أحبّ هؤلاء “الضعفاء” لأنهم أقوياء بالروح والكرامة والقيم، ويرفضون أن يكونوا “أقوياء”، على طريقة هؤلاء الآنف ذكرهم. إنهم ضعفاء لهذا السبب بالذات، وليس لعلّةٍ وجودية في شخصياتهم وجيناتهم وكفاءاتهم، وفي قدرتهم على تحمّل المسؤوليات الجسام.

تخيّلوا معي، للحظة، أن “الأقوياء” في الطوائف كافة، قد “استشهدوا” مثلاً، وأن “ضعفاء” الطوائف حلّوا مكانهم. تخيّلوا أيّ لبنان قويّ حقاً سيؤوينا تحت جناحيه!