لا يبدو النواب على عجلة من أمرهم. ولا يبدو أيضاً أنّ الكتل النيابية كلها ستلتزم بأن يتكلّم نائب واحد من أعضاء الكتلة مناقشاً البيان الوزاري. ولا يبدو على الخصوص، أن نواب الموالاة سيتوقفون عن معارضة الحكومة التي يتمثلون فيها كل كتلة على قدر حجمها وفق «المعايير» التي قال بها وزير الخارجية جبران باسيل.
وعليه فإنّ المسلسل الطويل الذي تعرضه الشاشة الصغيرة في مواسم الثقة ستطول حلقاته هذه المرة. من هنا استنفر الرئيس نبيه بري النواب طالباً منهم عدم التمتع بعطلة نهاية الأسبوع، إذْ ربّما اقتضى السيناريو حلقة إضافية يوم السبت المقبل. علماً أن عين التينة تستعجل التصويت على الثقة المحسوم أمرها سلفاً لكثرة ما تتمثل السلطة التشريعية في مجلس الوزراء (مجلس إدارة السلطة التنفيذية).
وتعود بي الذاكرة إلى زمن حكومة المرحوم الرئيس صائب سلام في عهد الرئيس الراحل المرحوم سليمان فرنجية، يومها كان صائب بك من أكثر السياسيين اللبنانيين صداقة مع المملكة العربية السعودية، وقد حصل على وعد ببناء مصفاة نفط ثالثة في البترون تكون في «نقطة وسط» بين مصفاتي طرابلس شمالاً والزهراني جنوباً. وطبيعي أن يكون هذا الإنجاز المنتظر محطّة ارتكاز في البيان الوزاري الذي طلب رئيس الحكومة ثقة «مجلسكم الكريم» على أساسه.
أحد أبرز زعماء المعارضة في ذلك الحين كان المرحوم الرئيس رشيد كرامي. والمعادلة كانت واضحة: يترأس صائب بك الحكومة… فيعارض رشيد أفندي. ويترأس أفندي طرابلس الحكومة… فيعارض البيك البيروتي.
أسهب صائب بك في الاعتزاز بما ستنفذه حكومته بناءً على ما تلقاه من وعد سعودي، قيل إن من أسرّ به في أذن الرئيس سلام لم يكن من أصحاب القرار والحلّ والربط في الرياض. كان سلام يتحدث وهو في كامل أناقته وقيافته، تزهر على صدره «القرنفلة» الشهيرة. وكان رحمه الله عفوياً، سريع الانفعال على عكس المرحوم كرامي الذي تميّز بصبر يملّ منه الصبر.
وجاء دور الأفندي ليناقش البيان الوزاري فارتجل خطاباً طويلاً عريضاً وختمه بما نغّص فرحة رئيس الحكومة، بقوله «…ومعلوماتي الأكيدة المستقاة من مصادرها تفيد أنّ لا مصفاة ثالثة ولا مَن يُصفّون… والذين وعدوك (متوجهاً بالكلام إلى سلام) أساءوا إبلاغك الحقيقة أو لعلّك أسأت الاستماع إليهم. وفي أي حال بالوعد يا كمون».
وضرب صائب بك المنبر بقبضته لينتصب واقفاً وليقول: أنا بعرف مين خبّرك هالسخافات، هيدا اللي عمبيخرّب على القيادة في المملكة … بعرفو مليح: هيدا أحمد زكي اليماني». (وكان اليماني وزير النفط في المملكة آنذاك).
وأدرك كرامي أنه استدرج سلام الى قول ما لا يُقال فاسترخى على كرسيّه بعدما قال: «لقد أصبتُ منك مقتلاً يا دولة الرئيس».
وبدت أمائر الخيبة على وجه الرئيس سلام وهو يرد على كرامي: قائلاً: «مقتل يقتلك.. العمى بقلبك ما أزنخك»!..
ورُفعت الجلسة!