Site icon IMLebanon

أسمَعُ «جعجعةً» ولا أرى «عوناً»

بين الدكتور سمير جعجع وبيني فتور في العلائق وحرارة الودّ، والسبب أساساً هو تلك الثقافة «القواتية» التي فجّرت الإنتفاضات، ومعارك الديوك الدامية على الخلافة، بعد غياب القادة الموارنة التاريخيين.

خطيئتي أنا، أنني عينت وزيراً خلفاً للشيخ بيار الجميل ثم وزيراً للمالية خلفاً للرئيس كميل شمعون، بما فُسِّر أنه وراثة للزعامتين، الى جانب خطيئة كوني مديراً عاماً لإذاعة صوت لبنان بما بلغت يومها هذه الإذاعة من حجم متفوق في المجال الإعلامي والسياسي والمعنوي والوطني.

لقد كان لي مع الدكتور جعجع في ذلك الزمان ما لا أحب أن أذكره، إلا ذلك الهجوم الذي يذكره الناس وقد شنَّه على إذاعة صوت لبنان لاحتلالها وتهجير إدارتها بقوة السلاح، ولم يكن حظنا مع غيره في أي حال أفضل من حظنا معه.

وما لا أحب أن أذكره أيضاً يوم طلب مني عوناً ما، وهو محاصر في غدراس ويوم لم أتخلّف بعد توقيفه عن تلبية لقاءات التشاور مع السيدة ستريدا حول المساعي التي تؤول الى إخراجه، كما ولم أتردد عن تلبية كل الدعوات التي كانت توجهها زوجته الى الإحتفالات باسم القوات، ما يعني أنني كنت معه أبرُّ وأوفى مما كان هو معي.

هذه ومضة تاريخية لا بدّ منها قبل الإنتقال الى مواكبتي مسيرة الدكتور جعجع بعد خروجه من السجن وقد ترصّدت كل حركاته ونشاطاته ومواقفه وبياناته فرأيت فيه جعجعاً آخر، أكسبته السنون في السجن الكثير من الحكمة والحنكة وصوابية الرؤية والرؤيا، وكم تمنيت لو أن الطبقة السياسية عندنا تدخل اختيارياً غياهب السجون لتخرج مطهرة من العيب والدنس، ولتكتسب من المدارك والموعظة والحكمة ما لم يتم تحصيله في غياهب السلطة.

ولأنني أعتبر الدكتور جعجع أحد البارزين بين الأقطاب الموارنة في دقّة التبصر، فقد وجهت إليه رسالة في مقال صحافي حثَثْتهُ فيه على تجنيد كل طاقات العون لترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، وحدَّدتُ الأسباب الوجيهة التي يمكن الرجوع إليها ضمن مقال «منبر الجمهورية» المؤرخ في 17 نيسان 2015.

ولكن، لست أدري ما إذا كانت ظروف اليوم المتضخمة بالتعقيدات والتضاربات شبيهة بما كانت عليه الظروف السانحة بالأمس.

يومها: لم يكن حزب الله قد رشح العماد عون، وكان من الممكن أن يرفض ترشيحه للأسباب نفسها التي رفض بها ترشيح النائب سليمان فرنجية، ويومها: كان تأييد العماد عون منطلقاً من اجتماع بكركي، ولم يكن كأنه ردة فعل ثأرية من ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية، أو كأنه فخٌّ يُنصب لزعزعة العلاقة بين فرنجية وعون، وبين عون وحزب الله، وفيما بين قوى 14 آذار.

ويومها: كان يُحسب تأييد عون للرئاسة لدى التيار الوطني الحر، على أنه اختيار حر، وأن أخاك بطلٌ وليس مكرهاً.

أياً تكن الإعتبارات التي تحمل الدكتور جعجع على تحديد الإختيارات، فإنه مطالب قبل غيره بإنقاذ الجمهورية ورئاستها من سوق المزاد العلني، وإخراج هذا المارد الماروني من القمقم المسحور، لأنه لم يعد من مجال لطرد الأرواح الشريرة بواسطة السحر.