IMLebanon

لقد عرفته.. إنه ولدي

احتار العالم في تحديد شخصية جزار «داعش»، صاحب المدية الشهيرة، وهو يلوح بها قبل ذبح ضحيته البشرية الجاثية أمامه بزيها البرتقالي.

شاب ملثم يتكلم الإنجليزية، يتوعد ويهدد، ثم يريق الدم الحرام ناحرا كل قيمة إنسانية، مستفزا ومتحديا كل إنسان سوي على الأرض، قبل أن يكون التحدي للدول، وسياسات الدول.

زالت هذه الحيرة بسبب والدة هذا الجزار المريض، فوالدته هي التي صرخت وهي تسمع خطبته الدموية: «إنه صوت ولدي». ثم انطلق الإعلام العالمي واستخبارات الدنيا كلها، تفتش وتقلب أوراق «محمد جاسم عبد الكريم أموازي». شاب يتحدر من جنوب العراق، نشأ وأسرته في الكويت ضمن فئة البدون، غير محددي الجنسية، هاجر لبريطانيا مبكرا، واكتسب جنسيتها، وبقي والداه في الجهراء بالكويت.

انهالت التقارير عنه، من خلال أصدقاء الدراسة، والحي، والعمل، وحتى رفاق القتل معه في «داعش»، الذين عادوا من جحيم البغدادي.

خلاصة ما قيل: شاب ذكي، متكتم، متوجس، ناجح في عمله مهندسا للكومبيوتر (كما قال أرباب عمله)، خجول مع النساء، عديم الابتسامة، غامض، غاضب بشكل داخلي. له نزوات شقية، في التشبيح، لكن مع محيط آخر.

بكلمة، شخص كريه وخطير، وكتوم. ضاعف هذا كله ميل للتطرف، مع محاولات متكررة للالتحاق بجماعات القتل وعصابات الإرهاب المتطرفة.

مثله كثير في المجتمعات، من شتى الأجناس، وليس صحيحا أن سبب ميله للتطرف والقتل ظروف سياسية واجتماعية معينة، فغيره تعرض لنفس الظروف، ولم ينحر ولم يقتل ولم يفجر، بل هو استعداد نفسي داخلي للجريمة، مع هشاشة فكرية، وممانعة عنيدة في الثقافة العامة لنفض خطاب الكراهية الدينية وأوهام الإسلام السياسي. من هنا فقول جماعات اليسار وحقوق الإنسان، ومحترفي المعارضة السياسية من اليسار والقوميين العرب، إن جون الإرهابي، أو محمد أموازي، كما «داعش» و«القاعدة»، وغيرهم، هم نتيجة لفقدان الحرية السياسية (ولا أدري عن أي فقدان يتحدثون)، هو مجرد استثمار سياسي لتخويف الدول من الإرهاب، وأن طريق زوال الإرهاب هو بتمكين السادة القوميين واليساريين، و«الإخوان» طبعا، من العمل السياسي، والحكم والسلطة، وعندها سيزول محمد أموازي، و«داعش» و«القاعدة»!

كذلك قول منظمة «كايج» المعروفة بدفاعها عن متطرف بريطانيا، إن تطرف جون، أو «مو الصغير» أو محمد أموازي، هو نتيجة تعامل أجهزة الاستخبارات البريطانية معه!

كل هذا هراء طبعا، والحق أن علة وجود هؤلاء، فوق العلل الخاصة بكل شخص، هي علة فكرية ثقافية عامة، منها ينبع الماء المتطرف الأسود.

«داعش»، منظمة عالمية للمرضى والبغيضين، خطورتها في توسل خطاب ديني إسلامي، يسربل فعلات الجزارين والحراقين.. هي طفرة في النشاط المتطرف، لكنها ليست مولودا من عدم.

إن كان ثمة عبرة من قصة الكشف عن هوية ذباح «داعش»، فهي أن نزع قدرة الإرهابيين على الحركة خلف قناع أو اسم مستعار، كما في الإنترنت، هو طريق مباشر لإبقاء الوحوش في غيرانها.