أحبّ أن أحلم أن في مقدورنا كلبنانيين، وكأفراد، أن نتغلّب يوماً على فكرة الانقسام والعنف والقتل والحقد، بأن يجترح كلٌّ منا عشقه الشخصي، وبأن نجترح معاً وفي الوقت نفسه “عشقاً” مجتمعياً وسياسياً – إذا صحّ التعبير – من شأنه أن ينقلنا الى مساحات العيش الآمن.
أحبّ أن أظلّ أحلم بذلك، نعم، فمن حقي أن أظلّ قادرة على الحلم، على رغم ما يكتنف حياتنا العامة من علامات اليأس والتخلف والقهر والاستبداد والفساد.
هل يُعقَل أن يظل يجري هذا الذي يجري في لبنان، في حين أننا لا نملك في الواقع العملي للأمور سوى أن نكتف الأيدي ونقبل ونمشّي الحال؟ ثمة جحيم كاملة من الاحتيال والتخلف والأمية والاستبداد وعدم الاكتراث، فضلاً عن جحيم الكذب والممالأة والسرقة، وسوى ذلك من عاهات، تغصّ بها أروقة السياسة ومجالسها، علناً وفي السرّ. فهل يعقل أن نظل نسمح لتلك الأيدي بأن تمتد وتمرّغ طموحاتنا وأحلامنا بتفاهات السلطة، وبفداحة المصالح على أنواعها وأشكالها؟
أكرّر: أحبّ أن أحلم أن في مقدورنا كلبنانيين، وكأفراد، أن نتغلّب يوماً على فكرة الانقسام والعنف والقتل والحقد. وإذا كنتُ أقول ما أقوله اليوم، وأحلم بما أحلم به الآن، فلأنّ ما حدث ويحدث في لبنان لا ينفكّ يحرّك السكّين في الجرح. وإذا كنتُ أقول ما أقوله اليوم، وأحلم بما أحلم به الآن، فلأني أشعر بالمرارة في هذه اللحظة أكثر من أي وقت مضى، ولأني أصلّي (في المعنى الوجداني، لا في المعنى الديني)، كي لا يشرب أولادنا وشبابنا والأجيال المقبلة من الكأس نفسها التي شربنا منها نحن: كأس الخيبة والخيانة والخذلان التي أخذنا، أنا وغيري من اللبنانيين الكثر، جرعات يومية منها في السنوات الماضية.
لأجل ذلك أريد أن أقول إنه بات من الحاسم، لا بل من الحيوي أن نخرج الى واقع وجداني وثقافي وسياسي جديد، لا يحمل بذور التضاد القاتل، الماثل والمقيم فيه، كما هي الحال اليوم، بحيث يكون هذا الواقع الجديد سبباً كافياً لزهق الكراهية والطائفية والقتل، ومفترقاً للانتقال الى الأمل لا البقاء في اليأس، والى الحياة لا المراوحة في دائرة الموت.
الحياة، أجل الحياة، – ولا أقول لبنان -، تستحق منا هذا الاجتهاد، بل هذا الكفاح الدؤوب والمتواصل. والأمل يستحق منا ذلك. وكراماتنا المسحوقة، كراماتنا الممنوعة تستحق ذلك أيضاً وخصوصاً.
أقول كراماتنا الممنوعة، وأعني المغدورة.