سيبقى قَسَم الشهيد جبران تويني في 14 آذار 2005 الاشهر في التاريخ اللبناني الجديد الذي بدأت كتابته في 14 شباط من ذاك العام عندما سقط الرئيس رفيق الحريري شهيدا. أنه القَسَم الذي بقي في ذاكرة مئات الالوف الذين أحتشدوا في ذلك اليوم المشهود ورددوا وراء تويني بأن “نبقى موحدين مسلمين ومسيحيين”. وقد أصاب الرئيس سعد الحريري عندما قال بالامس مخاطبا الشهيد: “… وصيتك كي نبقى موحدين ما زالت تشعل الامل في قلوبنا”.
ربما كانت التساؤلات التي ترددت في لقاء قوى 14 آذار عشية الذكرى التاسعة لاستشهاد جبران تويني حول أخضاع هذا القسم للتحولات التي طرأت على لبنان خلال الاعوام التسعة التي مضت تستحق الاهتمام، لكن ذلك لا يعني أبدا الا نأخذ من الشهيد أجمل ما أبدعه. ففي السنة التاسعة لغيابه وكذلك بعد زمن طويل، سيبقى اتحاد البشر مسألة جوهرية لا جدال فيها. ولو شاء المرء أن ينظر الى ما حوله لرأى ان قَسَم جبران صالح لتكون له نسخات سورية وعراقية وإيرانية ومصرية وفي كل الاقطار التي يعيش فيها نسيج ديني وعرقي. اللحظة التاريخية التي ألهمت جبران تويني قَسَمَه كانت تختزل نهاية وصاية النظام السوري على لبنان والتي امتدت لنحو 30 عاما. أما لحظتنا اليوم فهي انهيار سوريا تحت وطأة هذا النظام. وإذا كان عام القَسَم أنجز خروج بضعة آلاف من جنود هذا النظام من لبنان،فإن أعوام الحرب السورية التي أندلعت عام 2012 أدخلت الى لبنان ما يزيد عن مليون ونصف مليون لاجئ. إنه تطور مخيف بكل المقاييس ولا تنفع معه سياسة النعامة التي أطلق عليه منذ ولادتها في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اسم “النأي بالنفس” ولا تزال معتمدة حتى اليوم في عهد حكومة الرئيس تمام سلام. ولكي تتم مقاربة هذه السياسة لا بد من الرجوع الى سياسة مماثلة عاش في ظلها لبنان قبل أكثر من ستين عاما. فعندما سقطت فلسطين تحت وطأة المشروع الصهيوني عام 1948 بتواطؤ وغباء دولي وعربي في ذلك الزمن أختار حكام لبنان المتعاقبون أن يختطوا نهجا يبتعد عن المواجهة مع إسرائيل تحت عنوان “الهدنة”. لكن الكلفة كانت قاسية جدا وأتت تباعا باللاجئين الفلسطينيين وأسرائيل وسوريا وأخيرا إيران الى لبنان.
ما هو البديل عن سياسة النأي بالنفس؟ إنها سياسة صدق النفس. إما أنت مع المظلوم وإما أنت مع الظالم. هذا الامر ينسحب على فلسطين وعلى سوريا وعلى أي مكان يحيط بهذا الوطن الذي شاء التاريخ والجغرافيا أن يكون جزءا من الشرق المعقّد. وإذا كان اللاجئون الفلسطينيون ما زالوا في ديارنا بعد مرور 66 عاما فإن اللاجئين السوريين سيعتادون كلما طال أمد أزمتهم أن يبقوا عندنا. إذا كان البعض يتفنن في الارتياب ففي حقيقة الامر أن اللاجئين مظلومون وأن النظام السوري ومن يدعمه هم الظالمون. لا يخطئ أحد في الحساب. جبران تويني قام بواجباته حتى الاستشهاد، فلنقم نحن الاحياء بواجبنا.