ماذا لو استفقنا غداً على رئيس جديد للجمهورية، يعيد رتق ما تمزّق وتبعثر من أشلاء هذا الوطن وجماعاته ومؤسساته وقوانينه؟
سؤال لا يقع عندي في الوهم المستحيل، بل في الواقع المطلوب تجسيده. لماذا؟ لأن البلاد في حاجة ماسة إلى رئيس، بعدما أصبحت على الحضيض، بمؤسساتها، وناسها، وأخلاقها، وقيمها، وقوانينها، وإمكانات العيش فيها. ولأن الرئيس، المؤتمن على تطبيق الدستور، وحماية الجمهورية، من شأنه أن يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، اذ يجب أن تعالَج في كنفه المسائل الجوهرية العالقة، بمسؤولية، وجدية، وبعد نظر، ورحابة عقلية.
سأفترض أن الأمر سيكون على هذه الصورة. فماذا يمكنني أن أطلب منه شخصياً؟ سأطلب منه جعل أراضي الجمهورية من أقصاها إلى أقصاها تحت حكم القانون، الذي يتولى تطبيقه الجيش اللبناني والقوى العسكرية الشرعية دون سواها. على أن يلي تحقيق هذا المطلب، التوصل فوراً إلى إقرار قانون ديموقراطي وعصري جديد للانتخاب، وحلّ مجلس النواب الممدِّد لنفسه، والدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية تُنتج سلطتين تشريعية وتنفيذية جديدتين، تعبّران عما يريده الناس، ويتوقون إلى تحقيقه.
أما على المستوى الثقافي، فسأطلب منه العمل على فتح المكتبة الوطنية فوراً، لتكون بيتاً للثقافة العامة، وإنشاء متحف للفن اللبناني الحديث، تلتقي فيه خبرات الأجيال من الفنانين، منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم، وتطهير الجامعة اللبنانية تطهيراً بنيوياً تحتياً، بحيث تستعيد الجامعة الدور الجامعي الطليعي للبنان، وتصبح قاعدة حاضنة لإنتاج الثقافة الخلاّقة، ومواكبة عملية الإبداع.
سأطلب منه شخصياً، أن يجعل “لبنان الثقافي” شغله الشاغل، باعتبار أن لا شيء يحفظ لبنان مثل ثقافته، وأن يستقطب لأجل تحقيق هذه الغاية، كل العقول الفذة، لتكون هي واسطته إلى جعل لبنان بيتاً ومختبراً للثقافات المحلية والعربية والعالمية، فيجسد بذلك الدور الوحيد الذي يشرّفه بين الأمم، قريبها والبعيد.
“لبنان الثقافي” هذا، ليس شعاراً فضفاضاً، ولا سعياً مرَضياً يهجس به أصحاب النفوس المنتفخة، بل عملٌ دؤوب، شاقّ، تحتي، بعيد الغور، يراكم الخبرات والكفاءات، ويشيّدها لبنةً لبنة، لتكون المتراس الذي يحمي لا لبنان فحسب، بل العالم العربي كله، من الانهيار والاندثار، تحت وطأة الصعود الظلامي المحدق بحياتنا وثقافتنا وإنساننا من كل حدب وصوب.
ولأنني أضع مسألة انتخاب الرئيس تحت هذا السقف، أحمّل معطّلي هذا الاستحقاق ما يترتب على ذلك من مآسٍ جحيمية وشيكة الحدوث.
هذا ما سأطلبه من الرئيس، فانتخِبوه!