IMLebanon

ليتك كنت معنا يا جبران

 

كلّما مرّت سنة على غياب جبران تويني، زاد الفراغ الذي تركه، وزاد الإشتياق إليه، إلى وضوحه السياسي وتمسّكه بلبنان أوّلا وأخيرا. 

في ذكرى مرور تسع سنوات على إغتيال جبران، الرجل الذي كان يعرف جيّدا ماذا يريد، يتبيّن أنّ مرتكبي الجريمة يعرفون ايضا ما الذي يريدونه. يريدون القضاء على كلّ من تسوّل له نفسه الإيمان بلبنان والعمل على اعادة الحياة إليه.

منذ تسع سنوات، أو على الأصحّ منذ ما قبل ذلك، أي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ، لا تزال المعركة مفتوحة. المعركة بين مَن يريد الحياة للبنان وبين مَن يريده تابعا للمحور الإيراني ـ السوري، الذي تحوّل في السنوات القليلة الماضية، خصوصا منذ اندلاع الثورة الشعبية في سوريا، إلى محور تقوده طهران وتتحكّم به.

شكّل جبران تويني حلقة اساسية في حلقات السلسلة التي تدافع عن لبنان. لم يتراجع يوما على الرغم من كلّ التهديدات التي تعرّض لها. كان رجلا بكلّ معنى الكلمة. ثمّة من يدّعي، عن سوء نيّة، أنّه كان متهورا في بعض الأحيان، لكن الحقيقة أنّه كان في كلّ وقت أحد تلك الحواجز المنيعة في وجه الذين كانوا يريدون المس بلبنان والإنتقاص من سيادته وتحويله مجرّد ذنب لمحور لا يؤمن إلّا بثقافة الموت.

دفع جبران تويني ثمنا غاليا لإرتكابه جريمة الولاء للبنان. بمسلميه ومسيحييه وكلّ مناطقه في الوقت ذاته. ذنب جبران أنّه لم يكن طائفيا وأنّه دافع في كلّ وقت عمّا كان يؤمن به.

ليس سرّا أن بشّار الأسد طالب رفيق الحريري في الإجتماع المشهور الذي انعقد بينهما في الشهر الأخير من العام بثلاثة اشياء. كان رئيس النظام السوري يتحدث وقتذاك بلغة صاحب الكلمة الأخيرة في لبنان بصفة كونه مستعمرة سورية لا أكثر. طلب وقف أي كلام عن التمديد لإميل لحود من منطلق أن التمديد ورقة في يده. قال لرفيق الحريري في ذلك اللقاء أن مَن يتكلّم عن التمديد هو «كمن يريد احراق ورقة في يدي…هل تريد احراق تلك الورقة، هل تريد إحراق يدي؟». طلب ايضا وقف أي كلام عن «بنك المدينة» وهو مصرف كان يحوم حوله كل نوع من أنواع الشبهات. وطلب أخيرا من «أبو بهاء» بيع اسهمه في جريدة «النهار». كان مطلوبا بكل بساطة اخضاع «النهار»… أي اخضاع جبران تويني وتدجينه.

رفض جبران كلّ محاولات التدجين. كان يمتلك من الشجاعة ما يكفي لمواجهة النظام السوري في عزّ جبروته. هذا ما عجز عنه آخرون، وهذا ما جعل بشّار الأسد يحقد عليه. حقد عليه إلى درجة أنّه اثار موضوع جبران ومواقفه امام شخص جاء يعزّيه بوالده وذلك بعد ساعات قليلة من إذاعة نبأ وفاة حافظ الأسد. 

كان اغتيال جبران تويني ضربة للبنان الذي عمل النظام الأمني السوري ـ اللبناني الذي ورثه «حزب الله»، بصفة كونه لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، على تدمير مؤسساته الواحدة تلو الأخرى. لذلك كان التركيز على «النهار» التي كانت تعتبر احدى المؤسسات التي يقوم عليها لبنان. لم تكن محاولة اغتيال مروان حماده، في جانب منها، سوى محاولة لإغتيال «النهار»، كذلك الأمر بالنسبة إلى جريمة اغتيال الأخ والصديق سمير قصير التي وقعت قبل ستة أشهر تقريبا من عملية تفجير السيارة التي كان فيها جبران ورفيقاه.

كلّ ما حصل منذ ما قبل اغتيال جبران تويني كان وفق مخطط مدروس بعناية. كلّ الذين استهدفوا كانوا يؤمنون بلبنان السيّد المستقل الرافض للوصاية السورية والإيرانية. كلّ شهيد من الشهداء كان ركنا من اركان لبنان ومؤسساته. ولذلك، لا حاجة إلى تسمية ذلك المجرم الذي يعتقد أن إلغاء الآخر سيمكّنه من تحقيق هدفه المعروف. 

في لبنان، لم يحدث يوما شيء بالصدفة. من افتعال حرب صيف العام ، إلى الإعتصام في الوسط التجاري، إلى حرب مخيّم نهر البارد التي كان وراءها النظام السوري، إلى غزوة بيروت والجبل في أيار ، إلى تشكيل حكومة «حزب الله» برئاسة نجيب ميقاتي، يبدو كلّ شيء مدروسا. كلّ اغتيال مدروس…وصولا إلى اغتيال اللواء وسام الحسن والوزير السابق محمّد شطح.

عزاء جبران أنّ لبنان صمد. وأن هناك أصواتا ما زالت تقول ما كان سيقوله جبران. هناك أصوات كثيرة ما زالت تقاوم الظلم وتؤكّد أن ثقافة الموت لا يمكن أن تنتصر على ثقافة الحياة التي كان يجسّدها جبران.

جبران لم يمت. بيروت لم تمت. لبنان لم يمت، على الرغم من كلّ المآسي التي يتعرّض لها. من يصدّق أن النظام السوري صار في مزبلة التاريخ وأن كلّ ما يستطيع عمله الآن هو التنكيل بالسوريين والمدن والمناطق السورية من أجل تحقيق هدف واحد هو الإنتهاء من سوريا التي عرفناها؟.

ليتك كنت معنا يا جبران لنشاهد معا تلك النهاية التي توقعتها منذ زمن طويل للنظام السوري.