هل آن زمن جردة حساب طويلة بعد ألفياتٍ من تاريخ بشرية فوق أرض اقتسم مساحاتها مكتشفاً أسرارها وأسرار فضاء غلّفها. ومنذ البدء تفتّح داخله على سؤال لازمه: من المسؤول عن الداخل والخارج، وعن الأماكن والأزمنة، وهل هناك من يكافئ ويعاقب، وماذا عن أساطير نبتت فوق أماكن من الكوكب البيت؟
أسطورة آدم وحواء من عندنا، بين إنساننا القديم عليها كل أديانه التي بدأت وثنية تميزت بعبادة اصنام صنعها من خوفه، وما استثنى مظاهر الطبيعية من مجموعة ألغاز لجأ اليها كلّما دفعته هواجسه الى حضن ما يطمئن، الى أن قرع باب السماء، أو ان السماء قرعت بابه؟ وماجت الأرض بخليط آلهة جبل الأولمب في اليونان، ثم قبائل الغجر النازلة من الجنوب الروسي الى بلاد فارس، ثم الى الهند حيث استقرت فظهرت الهندوسية على أيدي الرؤيويين، المتكلمين على آلهة متعددة المظهر المتعلقة بعناصر الطبيعة وبعمق حكمة مستلهمة من السماء.
وكانت اليهودية الغازية أرض كنعان، أرض الفلسفة الاسينية الموحّدة، وغزت وصايا حمورابي العشر، البابلي. وظهرت المسيحية الموحدة مسجلة عهداً معرفياً جديداً شعاره المحبة لأول مرة في مسيرة الروح البشرية.. لكن هل فهم من تبع المعلّم المسيح أعماق جوهر الرسالة؟ وجاء الإسلام راسماً طريق حياة، بعض مفارقها من اليهودية، وبعضها من المسيحية، ومن قلب احدى آياتها سر يقول: الله نور السماوات والأرض… يهدي الله لنوره من يشاء.
ولعلّ سقوط الإنسان اليوم داخل عصر هابط بكل مشاهده المادية والإنسانية والروحية الى قعر بلا قيم، على رغم كل الاديان، جعل البابا فرنسيس يعيد النظر في مقاربة الدين، لو صدقت وسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت عنه قولاً في الايمان والتديّن. قال: الإيمان بالخالق ليس شرطاً للصلاح، وممارسة الشعائر القديمة صارت خارج مساحة الزمن الحاضر، زمن إنسان روحاني، ليس متديناً. وماذا لو لجأ الى الطبيعة للسكون الى الخالق بدل الذهاب الى الكنائس. ويتابع البابا: هناك كثر صالحون وغير مؤمنين، كما أن أفظع الارتكاب يمارس باسم الله.
ليس في الغابات دين لا ولا الكفر القبيح. فإذا البلبل غنّى لم يقل هذا الصحيح. إن دين الناس يأتي مثل ظل ويروح.
هل هناك أبلغ من “مواكب” جبران خليل جبران ترسم بريشته الساحرة علاقة قلب الإنسان بعالم الروح؟
أعطني الناي وغنّ فالغنى خير صلاة
وأنين الناي يبقى بعد أن تفنى الحياة
صدى الموسيقى خالد، أبدي، غير مادي، يظل يلف الأكوان الى الأبد، خارج ذبذبات المادة الكثيفة التي تصنع غلاف الروح، ثم تذوب. ولا بد لإنسان اليوم من أن يقوم حراً، بمقاربة جديدة لمعرفة المصدر الأساسي الذي أفرغ ذاته، خارج الزمن، في عملية خلق للمادة، للأكوان، والإنسان منها، والجسد منه يغلف الروح.
أعطني الناي وغنّ وانس داء ودواء / إنما الناس سطور كتبت لكن بماء.
حكاية الناس حقيقة حبرها ماء.