شاءت الصُدف صباح أمس، ويا لمحاسنها، أن أجمع المجد من أطرافه بعد أن أكرمني المولى عزّ وجلّ باستماعي إلى برنامج صباحي عبر أثير إذاعة النور التابعة لـ”حزب الله”، وتزامناً قراءة مقالٍ في صحيفة “الأخبار” كذلك، كتبه الزميل بوب الأمين.
كنت أسمع عبر الأثير نساءً من الجنوب والضاحية يتحدّثن عن حسن ضيافة المناطق اللبنانية التي استقبلتهنّ، ويقلْن: “هؤلاء أشرف الناس… الله يقدّرنا على مكافأتهم يوماً ما في قُرانا”.
كنت أسمع تلك الكلمات، وفي الوقت نفسه أنهل “فكراً مستنيراً” كُتب بأنامل أخينا بوب، الذي يرفض العيش مع من يُعادون “المقاومة”، ويرفعون شعار نزع سلاحها.
لكن بوب في مقاله لم يخبرنا ماذا فعل بنا هذا السلاح؟ لم يخبرنا عن معاناة الناس وآلامهم. كذلك لم يقل بوب الأمين من هم “هؤلاء” الذين يتحدث عنهم بـالـ “هُم”. وهو بالمناسبة، لا يمكنه الفصل بين السياسيين وبين داعميهم من عامة الناس، لأنّه وأترابه يرفضون حينما نفصل بين “حزب الله” وبيئته أيضاً… ومن سوّاك بنفسه ما ظلمك.
يؤكّد بوب في مقاله أنّ هؤلاء لا يُشبهونه، ويجد صعوبة بمجرد التفكير أنه يعيش معهم داخل البيت اللبناني. لا يمكن لبوب أن يتصوّر يوماً أنه قادر على بناء دولة واحدة (هو ومن معه أرباب من بنى الدول) أو صياغة دستور معهم، أو حتى سنّ قوانين تنظّم الحياة اليومية إلى جانبهم.
كنت أسمع من الراديو وأقرأ بواسطة الهاتف، كمن يأكل “قرن حرّ” ويسارع إلى شرب الماء: مديح من هنا ثم شتيمة من هناك!
قلت في سرّي: هل هؤلاء النسوة اللواتي يتحدّثن، هُنّ أنفسهن من بيئة أخينا بوب نفسها؟ سألت نفسي كذلك: تُرى من أيّ منطقة عكف بوب على كتابة مقاله؟ هل كتبه من الطريق الجديدة مثلاً، أو من دير الأحمر؟ ربما من عاليه، أو ربما من بكفيا أو برمانا أو من عكار … على الأرجح كتبه من داخل غرفة بمنزل في إحدى المناطق التي يرفض التعايش مع أهلها وزعاماتها.
سرحت قليلاً، ثم قلت لنفسي: أهذا هو الخطاب الجديد الذي يُحضّر له “حزب الله” ويتولى أخونا بوب تسويقه؟ هل “الحزب” في صدد البحث عن “شماعة” جديدة ليعلّق عليها “انتصاراته” بعد أن فشل في الاستقواء على الحمار ولهذا يتشاطر على البردعة؟
لا يا بوب. مشهد التفاف اللبنانيين على بعضهم أكثر من رائع. تحمّلت الناس (كل الناس) وعضّت على الجراح وصبرت ليس حباً بما تسمّونه “مقاومة” ولا تعلّقاً بالسلاح الذي نكبهم أجمعين. وإنما احتراماً لأشقائهم في الوطنية والإنسانية… وسيستمرون بفعل ذلك.
سيستمرون إن أعفيتموهم من الأفكار المريضة والقصص والسوالف المتخيّلة حول الانتصارات الإلهية. سيفعلون حينما يُشفَون من عدواكم المسماة “الممانعة”.
يقال إنّ أولى خطوات العلاج هي الاعتراف بالمرض. اعترف يا بوب بأنكم هُزمتم أيّما هزيمة، ولا تهرب إلى الأمام.
اعترف ليبدأ العلاج وتُشفى ونُشفى، أو… إبكِ بترتاح.