Site icon IMLebanon

مبادرة ابراهيم طويت.. واقتراح الترقية عالق

لا يبذل «التيار الوطني الحر» جهدا لردّ آخر الاتهامات المساقة ضده: المقايضة بين موافقته «النهائية» على خطة النفايات وبين إقرار تسوية الضباط والتعيينات العسكرية. المفارقة ان العونيين يؤكّدون ان ثمّة من يضغط على الرابية لـ «التطرية» في الحكومة وينزل نوابها الى مجلس النواب مقابل تمرير «التسوية العسكرية»!

قيل الكثير عن تسوية لم تخرج حتى اللحظة عن إطار الثرثرة، فيما يبدأ غدا العدّ العكسي لاحالة العميد شامل روكز الى التقاعد بعد شهر. آخر اخبار هذه التسوية أن لا أحد متحمّس لتأجيل «المشكل» حول قيادة الجيش عاما واحدا، وتحديدا «مشكل شامل روكز» الذي بترقيته الى رتبة لواء يكسب سنة إضافية في السلك العسكري. الافضل إنهاء المسألة اليوم، وليس من «خطة» أفضل من تقديم اقتراح مشوّه الى ميشال عون، وإغراقه في اقتراحات ثم التراجع عنها واللعب على عامل الوقت حتى منتصف تشرين الاول المقبل.

في بداية آب الماضي ولدت مبادرة اللواء عباس ابراهيم التي لم تقتصر بنودها على ايجاد تسوية كانت تسابق مواعيد إحالة كل من امين عام المجلس الاعلى للدفاع ورئيس الاركان وقائد الجيش تباعا الى التقاعد.

في جوهر مبادرة مدير عام الامن العام كانت تكمن أيضا مفاتيح الحلول لانتظام العمل مجددا داخل مجلس الوزراء وإعادة فتح أبواب مجلس النواب لاقرار مشاريع الضرورة، بينها رفع سن التقاعد للضباط، بحيث تكون التسوية رزمة متكاملة تشمل بشكل أساس حلا لعقدة شامل روكز من ضمن إطار مؤسساتي يؤدي الى ذوبان «الخاص» بـ «العام»!

لكن تدريجا تحوّل «الحلّ الشامل» الى حلّ على قياس أشخاص. وبدلا من أن تكون الوجهة مجلس النواب بطرح اقتراح قانون يطال ضباط كافة الاسلاك العسكرية، قُزّمت الوساطة بالترويج لتسوية يراها البعض «ممسوخة»، تقوم على ترقية عمداء في الجيش الى رتبة لواء، رست صيغتها العددية الاخيرة على ستة.

عمليا، ابراهيم صار خارج الصورة تماما وهو غير معني بأي حلول انتقائية تطرح في الكواليس والمقرّات السياسية بشأن ترفيع عينة من الضباط بينهم العميد روكز.

منذ البداية قال الرئيس نبيه بري كلمته في الموضوع، وعبر القنوات المتاحة، أسمَعها مباشرة لميشال عون: انا مع أي تسوية ترضي عون وتحلّ المشكلة ولا تضرّ بهيكلية الجيش. لكن حتّى هذه اللحظة لم تصل الى عين التينة صيغة واضحة ليتمّ قبولها او رفضها!

وبعكس ما يحمّل «تيار المستقبل» من مواقف تدين اي تسوية بهذا الشأن، فإن جلسة الحوار التي عقدت قبل نحو ثلاثة اسابيع بين «المستقبل» و «حزب الله» شهدت نقاشا حول آلية إبقاء روكز في الخدمة بعد 15 تشرين الاول.

وفيما عبّرت قيادات «التيار الازرق» دائما عن رفضها، علنا او سرا، عمّا يمكن أن يمسّ بهيكلية الجيش، إن كان لناحية رفض رفع سن التقاعد للضباط او اعتماد تسوية يتمّ بموجبها ترقية عمداء الى رتبة لواء، فإن هذه الجلسة شهدت إقرارا مستقبليا بقبول بقاء روكز في السلك العسكري بعد إحالته الى التقاعد لكن من دون التوافق على الصيغة أو بلورتها!

مؤخرا نشط الوزير وائل ابو فاعور، موفدا من النائب وليد جنبلاط، على خط تقريب وجهات النظر حول الصيغة المطلوبة، فيما تولى التفاوض الوزير الياس بو صعب من جهة الرابية. التقى بو فاعور قائد الجيش جان قهوجي وكافة المرجعيات السياسية المعنية، على رأسها ميشال عون. لكن الجميع لا يزال يدور في الحلقة المفرغة، خصوصا ان ميشال عون نفسه يرفض تحميله وزر تسوية لا تشمل الاساس: تشريع «وضع» قائد الجيش ورئيس الاركان الممدّد لهما للمرة الثانية وملء الشغور في مقاعد المجلس العسكري (شيعة، أرثوذكس، كاثوليك).

هكذا فإن كل الصيغ التي تصل الى الرابية وعنوانها فقط ترقية عمداء الى رتبة لواء هي مرفوضة حيث يسعى عون الى إعادة الملف الى النبع، اي مجلس الوزراء، من أجل قوننة التمديد وملء الشغور في المجلس العسكري.

أما روكز، فإن اوساطه، تشير الى انه يميل الى إقرار قانون رفع سن التقاعد لكل الضباط كونه الاكثر شمولية، كما أنه مع حقه المكتسب بترفيعه الى رتبة لواء فهو يرفض الامر إذا لم يكن مقترنا بوظيفة يشغلها.

وفيما «يُعايَر» اقتراح ترقية عمداء الى رتبة لواء من قبل البعض (تعدّدت الصيغ بين: 12 و10 و8 و6) بأنه يحرم مئات العمداء من حظوة الترقية ويؤدي الى بلبلة ضمن المؤسسة العسكرية على خلفية الشعور بالظلم والاستبعاد، فإن المطّلعين على سيرة روكز العسكرية يشيرون الى أنه الاكفأ بين الضباط لنيل هذه الترقية، حيث أنه من الضباط القلائل الذي يحظون اليوم بأربع سنوات أقدمية.

عمليا، يبدو اليوم ان اقرار اقتراح رفع سن التقاعد للضباط في مجلس النواب صار مهمّة شبه مستحيلة لاعتبارات كثيرة ليس اقلها رفض العديد من القوى السياسية له، على رأسها «تيار المستقبل»، وثانيا لأن «درب الجلجلة» صوب البرلمان لا يزال طويلا، فما يسري على الحكومة من تفعيل للعمل الوزاري لن يسري بالضرورة على مجلس النواب. يكفي استطلاع المواقف في جلسة الحوار الاولى للتيقّن من ذلك.

بالمقابل، يرى العديد من المعنيين ان التسوية المطروحة بترفيع عدد من العمداء الى رتبة لواء هي خطوة قانونية أكثر من تأجيل التسريح لقائد الجيش التي هي خطوة غير قانونية ولم يلحظها قانون الدفاع عبر طلب قائد الجيش التمديد لنفسه.

وتنبع قانونية هذا الاقتراح لكون تعديلات قانون الدفاع عام 1984 شملت استحداث رتبة لواء التي ظلّت محصورة «عرفا» بأعضاء المجلس العسكري فقط ولم تطل مواقع أخرى يحق لشاغليها الترقية الى رتبة لواء (كقادة المناطق وقادة الوحدات الكبرى ونواب رئيس الأركان (4 نواب) وقادة المدرسة الحربية ومعهد الأركان…) فجاء التخصيص (بإعطاء رتبة لواء فقط لاعضاء المجلس العسكري) من خارج إطار النصوص.

وبالتالي فإن مؤيّدي هذا الاقتراح يؤكّدون بأن لا شيء تقنيا وقانونيا يمنع ترقية عميد الى رتبة لواء وشرطه الاول ان يكون قد بلغ اربع سنوات قدما في رتبته. لكن المتحفّظين عليه نوعان: الاول يراه ضربا للجيش ولمعنويات ضباطه كونه لا تتأمّن من خلاله معايير العدالة، والثاني من باب «حرصه» على عدم منح عون أي مكسب سياسي يترجم من خلال إبقاء روكز مرشّحا لقيادة الجيش.

والى جانب التحفّظات السياسية على هذا الاقتراح، كما على اقتراح رفع سن التقاعد للضباط، فإن قيادة الجيش تشنّ حملة مباشرة ضد الاقتراحين، خصوصا اقتراح الترفيع، حتى لو ترافق مع تعيينات لملء الشغور في المجلس العسكري.

وتروّج أوساط القيادة، عبر مقرّبين من العماد قهوجي وعبر وسائل إعلامية محسوبة عليها، بأن هذا الاقتراح يشكّل ضربة للجيش ولهيكليته، ويحرم عمداء كثرا من أحقية الترقية أسوة بغيرهم في سبيل هدف سياسي يصبّ حصرا في مصلحة العماد ميشال عون وصولا الى حدّ الحديث عن حصول «مساومة على ظهر الجيش»، في وقت يشعر المؤيّدون لاقتراح الترقية، الذي هو قانوني برأيهم ويلحظه قانون الدفاع، بأن المساومة على ظهر الجيش لم تبدأ إلا مع دخول «عصر التمديد» غير المبرّر لضباط، مما خلق موجة استياء داخل المؤسسة العسكرية أشعرت العديد من هؤلاء بالغبن والتهميش وحرمتهم من حق التقدّم في السلك من قيادة الجيش ونزولا.