Site icon IMLebanon

ابراهيم كنعان أسير الكرنتينا الى معراب

جمعهما البير مخيبر وفرّقهما ميشال عون وسمير جعجع. عشب كثير نبت بين الرابية ومعراب اللتين تبدو خصومتهما أبدية. وحدهما، ابراهيم كنعان وملحم رياشي، تنطّحا للمهمة المستحيلة، ويكادان أن ينجحا… إلا إذا. فليس سهلاً جسر الهوّة السحيقة التي تفصل بين الرجلين، لكن يُسجّل لرجليهما، كنعان ورياشي، أنهما أول من حاول القفز من فوقها. هنا إضاءة على هاتين الشخصيتين

كان يوم «الجمعة العظيمة»، عام 1989، عندما خطف مجهولون المحامي ابراهيم كنعان وسائقه. عُصبت عيون الرجلين لدى وصولهما الى مبنى الأمن التابع للقوات اللبنانية في منطقة الكرنتينا. صراخ المعتقلين الذي كان يخترق الجدران كان يتداخل مع أصوات التراتيل الحزينة. بقي كنعان في غرفةٍ وحده في وجه رئيس جهاز الأمن في القوات غسان توما. كان محظوظاً لأن أحد معارفه رأى عناصر القوات يقتادونه، فأبلغ والده الذي استنفر معارفه لاطلاق ابنه، ومن بينهم الشيخ يوسف الضاهر، والد رئيس مجلس ادارة المؤسسة اللبنانية للارسال بيار الضاهر. اتصل «الشيخ يوسف» بقائد القوات سمير جعجع وتوسّط لاطلاقه.

يحفظ نائب تكتل التغيير والاصلاح هذه القصة. ينظر يساراً وهو يستعيد التفاصيل، «حاولوا خطفي مرة ثانية، لكنهم اقتادوا عن طريق الخطأ أحد العاملين في مكتب والدي للمحاماة». تجاوز نائب المتن تلك المرحلة. تلك المرحلة. قابل جعجع وبات أحد مهندسي الحوار القواتي ـــــ العوني الى جانب مسؤول جهاز الاعلام والتواصل في القوات ملحم رياشي. لا يعلم كنعان كيف وقع الخيار عليه ليكون ممثل العماد ميشال عون في المفاوضات، «كل ما أعرفه أن ملحم أتى موفدا من جعجع». يبتسم قبل أن يضيف: «لماذا؟ لأنني نائب منذ عشر سنوات وأمين سرّ التكتل وقريب من الجنرال». سعادته بأداء هذا الدور تكاد تضاهيها سعادته بشريكه ممثل الطرف الآخر، «فأنا يهمني أن يكون الشخص مفوضاًّ ولديه صلاحية واسعة لا مجرّد ساعي بريد. وهذه الصفات موجودة في ملحم الذي يثق به جعجع»، من دون أن يغفل الاشارة الى مَلَكاته التفاوضية، «فعلى مدى 15 سنة تنقلت بين أهم الشركات من جنيف الى باريس، وتوصلت الى نتيجة أن الرجل التقني والمهني يُنجح المفاوضات».

في أواخر ثمانينيات القرن الماضي كان كنعان ممن يؤمون «قصر الشعب» يوميا، «كان عون قائداً للجيش وكنت مُتخرجاً حديثاً من الجامعة مُتحمساً للجيش. كنت أعتبر نفسي أهم الموجودين في الحلقة المحيطة بالجنرال، وشعرت بأنني معني بكل ما يتعلق به». كانت البزة العسكرية هي السبب الذي جعل كنعان يُعجب بعون، «لو لم أكن محاميا لكنت ضابطا في الجيش، بعد ذلك اقتنعت بمبادئه ومواقفه». يقول، بثقة، إن عون يعرفه جيدا، «من صفاتنا المشتركة أننا نخوض المعارك المستحيلة». حين سافر الى لندن بعد زواجه بالسيدة تانيا عام 1990، انقطعت العلاقة بينه وبين عون، حتى عاد وجمعهما المهجر بعد دخول القوات السورية الى بعبدا ونفي عون الى فرنسا، غداة عملية 13 تشرين الأول. يفخر كنعان بأنه كان أول من التقى عون في فيلا غابي في مرسيليا، «كانوا يفتشوننا وكأن من نريد مقابلته ارهابيّ، وكانت هناك كاميرات تُسجل اللقاءات».

سافر الى لندن من دون رضى الوالد الذي كان يريد منه أن يتابع اعمال العائلة في بيروت. في لندن، ساهم كنعان في تأسيس جمعيتين، الأولى «جبهة تحرير لبنان – لندن»، وضمّت العسكريين الذين غادروا لبنان «واهتممت بهم». أما الثانية، فهي «التجمع البريطاني من أجل الحرية في لبنان»، وضمّت الى جانب اللبنانيين نواباً من بريطانيا «عملنا على مدى أربع سنوات حتى تقبلَنا المجتمع». تأسس التيار الوطني الحر في مؤتمر في باريس فتوحدت الجمعيات كافة تحت راية «الأومغا». حين عاد عون الى الوطن «كنت أنا أول شخص يُرشحه الى الانتخابات النيابية، فأصبح لقبي مرشح التيار الوطني الحر. أنا أخطط للهدف ولا أخترعه على مقاسي، نجحنا في هذه المرحلة». لم يكن كنعان وقتها موافقا على التحالف مع النائب ميشال المر، «ما كان حدا بيحملها. استمررت في معركتي ضد الفساد، الى أن طلب مني الجنرال أن أتوقف خوفا من أن يوعز المر الى مناصريه بشطب اسمي، وطلب جمعنا سرا في حديقة المنزل في الرابية». نفذ كنعان الطلب الأول، ولكنه لم يعرف أن الثاني سيكون أصعب: زيارة لعمارة شلهوب «التي كانت بالنسبة إلي مثل عنجر». كنعان أيضا لم يكن متحمسا للتقارب العوني مع تيار المستقبل «لم أعارض ولكنني نبّهت». على الرغم من أن نائب المتن كان كبش فداء هذا الحوار من خلال تطيير مشروعه لسلسلة الرتب والرواتب، الا أنه «تبين لي أننا لم نُخطئ، لأننا اكتفينا بالانفتاح على شريك في الوطن، ولم نتنازل عن مبادئنا». يقول أحد السياسيين إن كنعان «دائما ما يواجه اشكاليات تحت عنوان الثنائية السياسية، ما يجعله عرضة للقلق والتوتر. بعد المر وخلافه مع النائب نبيل نقولا أصبحت أخبار خلافه مع الوزير الياس بو صعب تملأ الصحف».

يُجمع عارفو كنعان على أنه من المتابعين اللجوجين لكل ما يُنشر عنه في الاعلام، بدءا من العنوان، وصولا الى الخبر، والأهم الصورة المختارة. يروي أحد الصحافيين في جريدة «الحياة» أنه كان يتوجه الى مكاتبها في لندن «ويوزع علينا شخصياً بياناته لنشرها». يرّد بأن «كرامتي هي سبب هذه العلاقة مع الاعلام. أتعب على ملفاتي وأعرف أن الاعلام سيف ذو حدين». يوضح أنه لا تعنيه مجرد صورته «ولكنني مثالي في كل شيء». أما عن الرشى للصحافيين، فهي «أخبار ينشرها البعض ليُبرر اهتمام الاعلام بي. اكاد أكون الوحيد من بين الميسورين الذي لا يُخصص معاشا شهريا لأحد».

برغم كل الصفات السلبية التي تُقال عنه، تمكن من القيام بنقلة نوعية في الملف المالي في لجنة المال والموازنة التي يرأسها. «لدي جميع الامكانات، لذلك نجحت». يبني الامال على هذا الحوار لأنه «مسألة استراتيجية واذا نجح سيؤسس لمستقبل العلاقة المسيحية – المسيحية».