كما كان متوقّعاً، استقال النائب إبراهيم كنعان من حزب التيار الوطني الحر أمس، إذ سبق للنواب الثلاثة آلان عون وسيمون أبي رميا وكنعان أن اتفقوا ضمناً على البقاء معاً في التيار أو الخروج معاً، ليصبح الثلاثة خارج التيار في غضون شهر واحد بعد صدور قرار فصل الياس بو صعب رسمياً. والثلاثة يتشاركون الأسباب الاعتراضية نفسها، ولو أن عون فُصل لتصويته للمرشح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية مخالفاً قرار التيار الاقتراع للمرشح جهاد أزعور، بينما اختار أبي رميا الاستقالة بنفسه، رابطاً إياها برفيقه، لتأتي استقالة كنعان بعد أسبوعين على مؤتمر صحافي قدّم فيه «مبادرة للمّ الشمل» وطالب قيادة التيار بالرجوع عن قرار فصل عون. وهو ربط أمس استقالته بالمبادرة التي «تمّ التصويب عليها» كما جرى «التصويب عليّ شخصياً وصولاً إلى حدّ المسّ بالكرامة».
وتعود المشكلة بين التيار وكنعان إلى سنوات، شأنه شأن عون وأبي رميا ومن خرجوا قبلهم لأسباب مختلفة، تبدأ بعدم ترشيحهم للنيابة أو توزيرهم وتمرّ بالاعتراض على النظام الداخلي وصولاً إلى الاعتراض على رئاسة جبران للتيار. وما بين تلك الأسباب، ثمة ما انكسر نهائياً ليلة 17 تشرين الأول 2019، إذ اعتبر باسيل أن هؤلاء النواب لم يدافعوا عن التيار في وجه الحملة العنيفة ضده واختاروا التراجع خطوة إلى الوراء وانتظار مرور القطار، بينما كان الفريق المعارض ينسب كل ما يحصده التيار إلى ما زرعه باسيل من خيارات سياسية وتعيينات وقرارات. رغم ذلك، تمكّن هؤلاء من الحفاظ على «زواج الإكراه» وتقطيع الانتخابات النيابية التي خاضها عون وأبي رميا بسلاسة لعدم وجود من يقاسمهما الأصوات، بينما بدا الوضع مختلفاً في قضاء المتن الشمالي حيث قسّم التيار أصواته بين كنعان وبو صعب وإدي معلوف، وأوعز ضمناً بدعم الأخير لكسر مرشح القوات الكاثوليكي ملحم رياشي. وهي استراتيجية انقلبت عليه فخسر معلوف وحافظ كنعان على كرسيه ونجح بو صعب ولو بأصوات أقل. ساهم ذلك في مراكمة الضغائن على باسيل، وتحدّث بو صعب علناً عن الأمر الذي كان واحداً من أسباب ابتعاده. مع ذلك، تلاقى باسيل والنواب على أرضية مشتركة للمضي قدماً معاً، وظلت تلك المعادلة قائمة حتى انعقاد الجلسة النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية في حزيران 2023، عندما خرج بو صعب وعون عن قرار التيار وصوّتا لفرنجية، ليلحق ذلك بأشهر فصل بو صعب رغم عدم الإعلان رسمياً عن القرار سوى بعد نحو 8 أشهر. ومذّاك قاطع عون وكنعان وأبي رميا جلسات المكتب السياسي والهيئة السياسية. حُوِّل عون إلى مجلس الحكماء ورفض المثول أمام رئيس الجمهورية السابق ميشال عون أكثر من مرة، وأرسل رسالة إلى الرئيس اعتبرها الجنرال مهينة، ليأتي قرار فصله بعد استنفاد المبادرات بينه وبين باسيل والتي قام بغالبيتها كنعان بنفسه.
غداة فصل عون، وجد كنعان نفسه بين خيارين: يخرج أسوة برفاقه أم يتابع مسيرته الاعتراضية من داخل التيار؟ كان واضحاً أن كنعان لا يريد أن يتخذ قراراً سريعاً. وخلال الشهر الجاري جرت مساعٍ لتقريب وجهات النظر مع باسيل، لكن بدا واضحاً أن الوئام الظاهري يقابله نفور ضمني متبادل تُرجم بتسريبات مؤذية من الجانبين في الإعلام فبات الفراق حتمياً. كذلك جرت محاولات باءت بالفشل لدفع كنعان إلى حضور الاجتماعات السياسية، فوجّه إليه الحزب إنذاراً قبل إسقاط عضويته في المجلس السياسي وتحويله إلى مجلس الحكماء أول من أمس. وفيما كان مقرّراً أن يجتمع كنعان بباسيل الجمعة المقبل في محاولة إضافية لرأب الصدع، تقدّم كنعان باستقالته من التيار عبر الإعلام أمس.
اتهم التيار كنعان بالتمرد في التعاطي مع قانوني الكابيتال كونترول والموازنة
ومساء، أصدرت اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار بياناً فنّدت فيه حركة كنعان «الإعلامية الاستعراضية للتغطية على ما ارتكبه من مخالفات أوجبت إخراجَه من المجلس السياسي أولاً ومن ثم من الهيئة السياسية وبعدها إحالته إلى مجلس الحكماء». وعدّدت اللجنة «مخالفات» النائب المتني الذي اختار «منذ زمن بعيد أن يسلك طريق الانشقاق ورعاية وتكوين مجموعة من النواب داخل التيار تتّبع سياسة وأداء خاصّيْن بها من خارج سياسة التيار ونظامِه»، ومن بين «المخالفات إصراره على التفرّد بسياسات خاصة به في المجلس النيابي والإعلام والعلاقات والاتصالات السياسية مع السفارات والأحزاب والمرجعيات والشخصيات وفي دائرته الانتخابية من دون التنسيق مع التيار أو علمِه، وتعمّده كسر قرارات التيار، كما في التعاطي مع بعض القوانين الإصلاحية من الكابيتال كونترول وصولاً إلى قانون الموازنة الأخير، وقيادته حملة إعلامية مدعومة من النواب الثلاثة في مجموعته لترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية خلافاً لقرار المجلس السياسي والهيئة السياسية بعدم ترشيح رئيس التيار أو أي حزبي، وتعمّد الظهور الإعلامي في أوقات محدّدة لإظهار التمايز عن رئيس التيار وبقية رفاقه، ومحاولة إيهام قواعد التيار بالسعي إلى مبادرة مزعومة في وقت كان يحرّض على تأليف مجموعة من النواب لتتحرك بشكلٍ مستقل عن الحزب وتقوم بخطوات مخالفة لسياسته».
تسريبات لآلان عون: الثنائي يدعمني
انتشر تسريب أول من أمس بصوت النائب المفصول من التيار الوطني الحر آلان عون، في اجتماع لهيئة التيار في حارة حريك، يؤكد فيه أنه تبلّغ من حركة أمل وحزب الله رسمياً أنه سيكون معهما على اللائحة مع إعطائه امتياز اختيار المرشحين المسيحيين الاثنين الآخرين على اللائحة. التسريب أثار بلبلة في أوساط التيار وهجوماً عونياً على عون، ما استدعى إصداره بياناً أوضح فيه أن الكلام «جاء خلال اجتماع حزبي عام وغير سرّي وفي مكتب هيئة قضاء بعبدا في التيار الوطني الحر وبعد صدور التوصية بفصلي من التيار الوطني الحر». وأضاف أنه «بعد اتضاح النوايا السيئة تجاهي، كان من الطبيعي أن أتواصل مع زملائي النواب على اللائحة في قضاء بعبدا ووجدت لديهم كل الإيجابية والاستعداد للاستمرار في التعاون معاً بناءً على تجربتنا النيابية المشتركة، علماً أن هذا الموضوع لا يصبح نهائياً إلا قبل الانتخابات النيابية بناءً على قرار قيادتيهما حينها».
بعدها، انتشر تسجيل ثان لعون يقول فيه إن موضوع ترشيحه «محسوم، ولا جبران ولا ميشال عون بيقدروا يغيروه بقا» عارضاً على الموجودين أن «يشكّلوا وفداً يزور الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله لسؤالهما عمّن سيدعمان في بعبدا». على الأثر، ردّت هيئة قضاء بعبدا في التيار على عون، رغم كونها محسوبة عليه، بنفي أن يكون ما قاله حصل خلال «اجتماع عام، بل اجتماع خاص مع الهيئة الإدارية لبلدة حارة حريك (…) ولم يكن أي من أعضاء هيئة القضاء حاضراً في الاجتماع أو مدعواً إليه». ولفتت إلى أنّ «ما ورد على لسان عون أتى في خضمّ المساعي التي كانت تُبذل لمحاولة إبقائه في التيار، والتي كان رئيس التيار النائب جبران باسيل متجاوباً معها، وكان الأحرى بالنائب عون احترام هذه المساعي وعدم التداول في مثل هذه التصريحات أمام أعضاء التيار إلا إذا كان لديه قرار مسبق بترك التيار، ولكن عن طريق الفصل للعب دور الضحية». واستغربت الهيئة إطلاع عون أحزاباً أخرى على مشاكل التيار الداخلية والبدء بنسج تحالفات خاصة، «والأغرب صدور هذا الكلام حصراً أمام هيئة حارة حريك التي يتفاعل أبناؤها مع الثنائي الشيعي يومياً بحكم التداخل الديموغرافي، ما يضع هذا الكلام في خانة التهديد أو الترغيب».