لم تحجب الزبالة التي غطت شوارع العاصمة وطرقاتها الفرعية والرئيسية ولا المكبات المتنقلة في المناطق التي تفوح منها رائحة صفقات تلك الازمة الهامدة تحت رماد الانتظار المضني بانتظار لحظة الانفجار الحتمي الذي اصبح واقعاً مع اقتراب استحقاق 7 آب لرئاسة الاركان والاول من ايلول لقيادة الجيش. ولعل خطوة وزير الدفاع ومبادرته للقاء القيادات السياسية وزيارة الرابية في هذا الخصوص لم تأت من العدم ومن لا شيء، تقول مصادر متابعة، فالوزير سمير مقبل الذي كادت تنفجر بينه وبين الرابية في اكثر من محطة ابرزها موضوع التعيينات الامنية، يدرك مدى غضب الرابية وعدم تساهلها او استعداداها لتقديم تنازلات في ملف التعيينات. واشارت المصادر الى ان مقبل رغب في امتصاص نقمة الرابية واراد خرق الحواجز بينه وبين ميشال عون ولكن بدون اي نتيجة، فمقبل الذي اراد رفع مسؤوليته وغسل يديه من «دم هذا الاستحقاق» بعد ان وصلت الامور الى نقطة «لا شيء»، فجنبلاط يدافع عن التمديد وهو تراجع عن خياره الاول بدعم شامل روكز وخضع لضغوط المستقبل والسعودية بعد الاتفاق النووي، ورئيس المجلس بالمبدأ يؤيد بقاء العماد قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية فيما تأييد فرنجية وحزب الله للتعيين مشروط بشرط الفراغ والخوف من الشغور في قيادة الجيش على غرار رئاسة الجمهورية، فيما «الكتائب» و«القوات» لا يخوضان المعركة بحماسة الاطراف الآخرين لعدم استفزاز احد خصوصاً ان المستقبل هو رأس الحربة في المعركة منذ التمديد للواء ابراهيم بصبوص في قوى الامن الداخلي.
ويرى قريبون من الرابية ان خطوة وزير الدفاع هي حركة بلا بركة، وان الطرح الذي حمله مقبل بتأجيل تسريح قائد الجيش حتى ايلول او اختيار بديل عنه قبل بضعة ايام من احالته على التقاعد هو فذلكة هدفها تمييع الاستحقاق بدل دفشه خطوات الى الامام وايجاد المخارج له، وهي فذلكة تضاف الى السياق نفسه ونظرية اخرى لمقبل باستحالة التعيين في هذه الظروف فيما مجلس الوزراء منقسم على نفسه على خلفية ألية العمل. وعليه فان الرابية مستمرة بالتوجه للتصعيد ولا يبدو ان لديها ثقة باي مبادرة او خطوة من اي اتجاه اتت.
شبه الاتفاق الذي انجز ذات يوم يبدو ان خربطته كثيرة ومتشعبة وهي اتت من مكان آخر، وتحديداً من سعد الحريري الذي كاد يسير بالخيار الذي يريده عون مما يعني تعيين خلف للواء بصبوص مقابل تعيين قائد الجيش.. وإذا كان حزب الله الذي يخوض اشرس المعارك على الأرض اللبنانية بعد تحرير جزء كبير من جرود وتلال استراتيجية في القلمون وفي الزبداني السورية لديه اولويات كثيرة خطيرة ومسؤوليات جسيمة بعد ان اشتد خطر الارهاب بدليل المواجهات العنيفة الدائرة على السلسة الشرقية التي تحررت تلالها العالية والاساسية من دون التفريط بالتزامه مع عون في الملفات والمسائل الكبرى، فان الواضح ان الرابية تركز على معركة التعيينات الأمنية بتفهم لأولويات الحليف ولكنها تخوضها بشراسة على غرار معارك حزب الله على السلسة الشرقية. وتقول اوساط قريبة من التكتل ان حزب الله الذي استخدم تكتيكاً عسكرياً فاجأ الارهابيين والاسرائيليين في معاركه قبل الفترة التي سطر فيها البطولات، ومثله سيفعل ميشال عون عند ساعة الحشر التي بدأت تقترب في السابع من آب لرئاسة الاركان او ربما الى ايلول في معركة التعيينات الأمنية التي ستفاجىء الجميع بحجمها وبعتادها وبالسلاح الذي سيستعمله عون للمرة الأولى، فمعركة قيادة الجيش لا تشبه المعارك الأخرى كمعركة رئاسة الجمهورية او القانون الأنتخابي.
يقول العارفون في كواليس الرابية ان المعركة المطروحة على طاولة الخلافات السياسية تختلف بحيثياتها ونتائجها وما سيصدر عنها عن معركة التمديد للمجلس النيابي او التمديد السابق لقائد الجيش، وبالتالي فان عون لم يرم سلاحه بعد في معركة التعيينات الأمنية ولن يفعل لأنه مدرك ضمناً انها معركته الأخيرة وهي المكسب الوحيد الذي سيخرج به من الجبهات الثلاث المفتوحة في الرابية بعدما ضاقت عليه آفاق المعركة الرئاسية وباتت شبه مستحيلة، اضافة الى ان عون يخوض معركة ترتيب بيته الداخلي وتنظيمه لمواكبة الاستحقاقات. إلا ان زعيم الرابية يتحفظ على «عدة» وسلاح المعركة المقبلة والتي ستكون ربما على قاعدة قلب الطاولة فوق رؤوس الجميع.
لا تريد الرابية ان تبدو وكأنها تخسر كل اوراقها، فانجاز التعيينات مسألة وجودية لا تخضع للمساومة بالنسبة الى الرابية والتذرع بالفراغ في المؤسسة العسكرية ومخاطر الارهاب حجة واهية لضرب الدستور والقوانين بعرض الحائط، فلا أحد يخشى على الوطن اكثر مما يفعل تكتل الاصلاح والتغيير كما تقول مصادره ولا احد يخشى على المسيحيين ويحذر من ازمة النازحين والمخيمات ومن انفجار عرسال اكثر من زعيم الرابية، ولا احد يتطلع الى رئيس قوي كما تفعل الرابية التي تتطلع الى رئيس قوي وليس الى مجرد حاجب في بعبدا. وبالتالي فان اللجوء الى الحجج الامنية والفراغ في المؤسسة العسكرية هي حجج ساقطة وواهية لأن الارهاب لن يتم استئصاله بسهولة، ومع التسليم بحكمة القيادة العسكرية الحالية وقدرتها على ضبط الارهاب ومواجهته، إلا ان انتقال القيادة الى قائد المغاوير فيما لو حصل سيكون في محله ايضاً خصوصاً ان قائد المغاوير شارك في معارك عبرا ونهر البارد وفي معركة عرسال والكثير من المعارك الاستراتيجية ضد الارهابيين، اما الحجة بانتقال القيادة العسكرية في ظروف افضل، فان زعيم الرابية كما يعرف الجميع تسلم قيادة الجيش في اصعب الظروف التي كانت تواجه المؤسسة العسكرية، ولم تكن باحسن حال مما هي عليه اليوم..
يصر القريبون من الرابية على ان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير لا يخوض معركة شخصية مع العماد جان قهوجي ولا يعترض على أدائه العسكري او قيادته للمؤسسة العسكرية، خصوصاً ان الجيش اثبت بطولة وحكمة في التعاطي مع الأحداث الامنية الخطيرة وتسلل الارهاب الى العمق اللبناني. ويدرك عون ان ثمة من رسم له الافخاخ ليقع فيها عندما حصلت المواجهة امام السراي وثمة من سعى لتوتير الوضع ودك اسفين في العلاقة بين التيار العوني والمؤسسة العسكرية.