Site icon IMLebanon

إخراج القيد الإلكتروني لزوم ما لا يلزم حرصاً على خانة المذهب

 

بعد تأخير دام سنوات، وبعد هدر وقت المواطن وماله، أعلنت أخيراً وزارة الداخلية إطلاق إخراج القيد الإلكتروني. الأمر الذي سيوفّر على المواطن مشقة التوجه إلى قلم نفوسه، أو إرسال طلبه إلى قريته مع أحد المخاتير والانتظار للحصول على إخراج قيد قد يتضمن أخطاءً. لكن الخطوة التي أعلن عنها وانتشرت الدعايات المسوّقة لها، تخفي السؤال الأساسي عن الحاجة أصلاً لإخراج قيد في ظل وجود بطاقة الهوية، خصوصاً مع صدور تعاميم لاعتمادها في كل المعاملات الإدارية في الدوائر الرسمية. غير أن الدولة التي يدعي مسؤولوها تأييدهم للدولة المدنية، ما زالت تتمسك بخانة المذهب الموجودة على السجل، وتجبر المواطن على إبرازها كلما توجه إلى مؤسسة رسمية، مؤكدة له أنه تابع لطائفة قبل أن يكون مواطناً.

 

من الملّة إلى الطائفة إلى المذهب

 

وعلى الرغم من كلّ التطور الذي تدّعيه دوائر الأحوال الشخصية، غير أنّ إخراج القيد في العام 2020، لا يزال يعتمد على إحصاء العام 1932 الذي أجراه الانتداب الفرنسي. وفي حديث إلى “نداء الوطن” يحكي المؤرخ حسان حلاق أن إخراج القيد الحالي صدر بعد الإحصاء الذي أجرته فرنسا نهار الأحد 31 كانون الثاني من العام 1932، قبل إجراء الانتخابات النيابية، ولا نزال نعتمد على هذا الإحصاء حتى اليوم. ويروي حلاق أنه وفي دولة لبنان الكبير لم يكن يذكر المذهب على إخراج القيد، وإنما الطائفة: “مسلم أم مسيحي”، وكانت تسجّل الصّنعة وإن كان المواطن أمياً أم لا، بالإضافة لخانة لون العينين والشعر مع صورة، ويلصق على الإخراج طابع بقيمة عشرين قرشاً. أما إخراج القيد الأقدم منه، أي في العهد العثماني، فقد تضمن خانة “الملّة” بدل الطائفة حيث كان يكتب “إسلام أو نصارى”. وبعد العام 1990 وبحكم اتفاق الطائف ألغي ذكر الطائفة والمذهب عن بطاقة الهوية، لكنه استمرّ على إخراج القيد. فباتت الدولة المتذاكية تطلب إخراج القيد في الدوائر الرسمية بدل الهوية لتحديد مذهب المواطن.

 

وفي حين يحكي باحثون عن ظلم لحق ببعض اللبنانيين نتيجة عدم تسجيلهم خلال احصاء العام 1932، يحمّل حلاق من لم يسجل في حينها المسؤولية. ويؤكد المؤرّخ أنه في عهد وزير الداخلية بشارة مرهج، في العام 1994، منحت الجنسية لما بين 200 و300 ألف شخص، منهم من استحقها ومنهم من أخذها من دون وجه حقّ. ويرى حلاق أن لا حاجة اليوم لإخراج القيد، خصوصاً بعد صدور تعميم باعتماد الهوية في الدوائر الرسمية، لكنّه لا يتأمّل بأن يلغى إخراج القيد طالما أن البلد طائفي والوظائف محكومة بالتوزان الطائفي.

 

وفي العام 2017 طوِّر إخراج القيد، وقيل أنه أصبح أكثر أمناً، حيث أضيفت عليه عناصر أمان لضبط تزوير الوثائق الرسمية وبيانات القيد العائلية والإفرادية، التي تزايدت في تلك الفترة، لكنه حافظ على الأسلوب الكتابي التقليدي ولم تعتمد المكننة في حينه، فاستمرت معاناة مواطنين من أخطاء الموظفين خلال ملء المعلومات. كما أصبح المواطن قادراً على تحصيل الوثيقة من دوائر النفوس من دون العودة إلى وزارة الداخلية.

 

أما اليوم، فقد أصبح بالامكان تعبئة نموذج إخراج القيد عبر الموقع الالكتروني للمديرية العامة للأحوال الشخصية، وتقديمه مع إمضاء مختار محل القيد مع صورتين شمسيتين مصدقتين على الأصول. لكن وفي المرة الأولى فقط، يقدم الطلب في قلم نفوس مكان القيد بعدها يقدم في قلم نفوس مكان السكن. بذلك بات يمكن للمواطنين البعيدين عن قراهم طلب نسخة عن إخراج القيد الالكتروني الأول من أقرب مختار أو قلم نفوس. وفي حال حصل أي تغيير في البيانات الشخصية، يتم الحصول على إخراج القيد كما في المرة الأولى. أما من هم خارج لبنان فيمكنهم الحصول على هذه الوثيقة من السفارات والقنصليات. لدى سؤال وزير الداخلية السابق، زياد بارود، عن سبب رفض إلغاء إخراج القيد واعتماد بطاقة الهوية في اتمام المعاملات الرسمية، يجيب بارود أن المشكلة لا تكمن بإخراج القيد بذاته، “فلمَ لا تكفي الهوية وحدها؟ الأرجح لأن إخراج القيد يتضمن الطائفة، إضافة إلى عبارة لبناني أو لبنانية منذ أكثر من 10 سنوات”. فالفرق في إلغاء الطائفة لا فقط بإلغائه كمستند، لأن الحالة الطائفية مستشرية”.

 

يشدد الوزير السابق على ضرورة مكننة جميع البطاقات، وربط الأحوال الشخصية بالسجل العدلي والأمن العام والقوائم الانتخابية وغيرها. ويدعو الى إصدار بطاقة موحّدة تكون بطاقة هوية وبطاقة ضريبية وانتخابية في آن، توفيراً للتكاليف الإضافية والوقت وكذلك للحد من الفساد داخل المؤسسات. ويمدح بارود الخطوة التي يدعو لاستكمالها وتعميمها، لكنها تأخرت جداً، إذ بدأ بارود العمل على إنجازها منذ العام 2011، يومها وضع دفتر الشروط قبل أن تتغير الحكومة. وهو ما يطرح السؤال عن المدة التي قد يحتاجها لبنان لإدخال المكننة إلى مؤسساته، ومكننة كل الوثائق وربطها ببعضها.