لا شك أن ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة في لبنان من قبل الرئيس سعد الحريري وفّر فرصة للتنفس والامل لغالبية اللبنانيين وذلك لأسباب عديدة من أهمها على الاطلاق استعادة لبنان مسحة النظام الديموقراطي البرلماني مهما كان مشوهاً في الوقت الحاضر، بسبب تناسي النواب ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني التي أنجزت في الطائف عام 1989 نتيجة مساعي الرئيس رفيق الحريري وجهوده.
الحياة السياسية في لبنان لا تخلو من مواقف تعبّر عن تمسك بعض ممثلي اللبنانيين بمصلحة لبنان، ويهمني أن أذكر واقعة لا يعرفها الكثيرون.
العام 1993 حينما كانت ترتيبات اطلاق شركة «سوليدير« التي حوّلت خراب وسط بيروت الى مساحة لتنافس كبار المهندسين في إنجاز أفضل مناطق بيروت تجهيزاً واشراقاً من دون حصر المسعى بالأبنية الفخمة، ومنطقة الصيفي التي شهدت تطوير منطقة بكاملها من الشركة على أسس تشابه المناطق السكنية في باريس ولقاء أسعار معقولة، سألني الرئيس الحريري، وكان مكتبي للدراسات قد أنجز دراسة الجدوى للمشروع، ما اذا بالإمكان الاجتماع بسليمان فرنجية الذي له اعتراضات معينة على المشروع؟.
توليت مهمة مقاربة الرجلين بحيث كانت لي ولا تزال علاقة ود مع سليمان فرنجية، وهو طلب مني مخاطبة أعضاء «المردة« مرتين حول الشؤون الاقتصادية اللبنانية، فتوجهت الى فرنجية لأسأله ما اذا كان على استعداد لمباحثة رفيق الحريري حول اعتراضاته بالنسبة الى مشروع «سوليدير«. بعفويته المحببة وصراحته الاكيدة قال لي فرنجية انه لا يعارض عقد اجتماع للبحث مع الرئيس الحريري في المشروع، وقد اجتمع الرجلان مطولاً في منزل الحريري ويبدو أن فرنجية اقتنع بتوجهاته وأقنعه ببعض التعديلات، وخرج من الاجتماع وصرح بأن التفاهم بينهما قائم.
كنت مجتمعاً مع الرئيس الحريري في يوم من أيام العام 2001 في مكتبه في مبنى سكنه الجديد، وكان سعد الحريري واقفاً على مسافة قريبة يحادث ضيفاً لا أتذكر اسمه، فسألت الرئيس الحريري ما هي أطباع سعد الحريري وأفكاره؟، فأجابني بأن سعد يحمل تفكيره وأن قلبه ناصع، وربما أرحب من قلبه هو كل ما تحمل.
مبادرة الرئيس سعد الحريري الاخيرة والتي تهدف الى مساعدة لبنان واللبنانيين على تجاوز أزمة تعليق انتخاب رئيس الجمهورية تقدم البرهان على أنه يسعى الى خير البلد، والى استعادة نفس الديموقراطية البرلمانية التي تفترض اجتماع النواب على مختلف توجهاتهم لانتخاب رئيس يعيد للبلاد هيكلية نظامها.
التوجه نحو تسمية فرنجية لم يكن عبثياً. فالرجل له من الصفات ما يؤهله لتولي المنصب وقيادة البلاد نحو الاستقرار. ولا بد من الاشارة الى أن فرنجية الذي كان بوسعه بالتأكيد تولي شؤون وزارة مهمة منذ العام 2004 اعتكف عن ذلك واختار لتمثيله أربعة وزراء تعاقبوا على وزارات حساسة منها وزارة الطاقة والمياه.
العام 2004 تولى موريس صحناوي، وهو صديق مقرّب من فرنجية ولا غبار على توجهاته اللبنانية، وزارة الطاقة والمياه، وخلال توزيره وضع مخططًا لتطوير انتاج الكهرباء واستعمال الغاز كلقيم يحقق فوائد للبنان على صعيد الكلفة وتخفيض التلوث، وهو أشرف على انجاز خط الغاز بين سوريا ولبنان الذي أنجز العام 2005 وتم اختبار صلاحيته لتوفير الغاز الى معمل دير عمار، لكن اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005 دفع سوريا الى الامتناع عن تسليم الغاز، الامر الذي كان متفقاً عليه ما بين مصر والاردن وسوريا ولبنان.
وبعد موريس صحناوي تولى هذه الوزارة وان لوقت قصير بسام يمين، وهو اقتصادي مقتدر وشاب نشيط.
والعام 2009 انضم الى الوزارة يوسف سعادة بتسمية من فرنجية، وقام بدوره كوزير دولة بفاعلية ودماثة وهو قانوني متمرس قريب من الناس.
الوزير الاخير من المقربين من فرنجية هو روني عريجي الذي حاز تقديراً واسعاً لتصرفاته وجهوده، وهو كان من المحامين الناجحين ومن العاملين في مجال الحفاظ على البيئة. وأذكر أني قبل القاء محاضرة العام 2013 في مركز «المردة«، تسنى لي الاجتماع مع سليمان فرنجية، وروني عريجي الذي ينتمي الى عائلة تتنفس حب لبنان لساعة تباحثنا خلالها في الشؤون العامة، وأدركت خلالها مدى اختمار فرنجية وتعمق تفكيره بمستقبل البلد، وهو الشاب النشيط الذي أصبح ذا شعر أبيض في سن مبكرة ربما بسبب طبيعة الحياة السياسية في لبنان، وفي تلك الجلسة قال لي انه لا ينوي الترشح للانتخابات النيابية.
ان ترشيح فرنجية من قبل الرئيس الحريري يستند الى القناعة بكفاءة الرجل ووطنيته، وهذا الترشيح لا يجوز النظر اليه وكأنه يطيح بترشيح أي لبناني آخر، والباب مفتوح للمنافسة، والمهم أن يكون هنالك منافس، فنشهد جلسة انتخابية تحوز النصاب المطلوب، وربما يتنافس خلالها مرشحان أو ثلاثة لا هم، والمهم أن نستعيد نفس الديموقراطية البرلمانية. فالديموقراطية التوافقية كما يقول نزار يونس في كتابه الاخير «جمهوريتي« هي هرطقة.
() خبير اقتصادي