Site icon IMLebanon

أفكار حول إصلاح الجامعة اللبنانية 1/3

 

 

إنّ الدور المحوري للجامعة اللبنانية كمجسّدة للهوية الثقافية اللبنانية، وعلى صعيد الإنماء الشامل والمستدام، وفي مجال تطوير وتقدّم النظام التربوي ككل، وإعداد خرّيجين ذوي مهارات عالية ومواطنين مسؤولين وصالحين، وإنّ المشكلات التي تعاني منها هذه المؤسّسة على عدّة مستويات تحملنا على طرح بعض الأفكار التي تساعد في اصلاح أوضاع هذه المؤسسة.

أولاً: احترام استقلالية الجامعة:

1-1 منذ اندلاع الحروب المركّبة في وطننا عام 1975، تمّت استباحة استقلالية الجامعة اللبنانية. ولقد خضعت هذه المؤسسة لتدخلات اهل السياسة، فتلوّن كل فرع من فروعها بقوى الأمر الواقع الموجودة فيه الأحزاب والتنظيمات المسيطرة. وقد أثر ذلك على مستوى الهيئة التعليمية والهيئة الإدارية والهيئة الطلابية. يتعيّن الأساتذة بتدخل سياسي، وتتم ترقيتهم وعضويتهم للجان، وتعيين الرئيس والعمداء والمدراء بتدخل سياسي. وكذلك فمجالس الفروع والاقسام والوحدات، وكذلك رابطة الأساتذة، كل هذه المؤسسات تأثرت بتدخلات الأحزاب وأهل السياسة. وهذا ما يحصل، إلى حد كبير، على حساب القوانين والمستوى الأكاديمي وضمان الجودة والتعمق العلمي والبحوث وتوفير تعليم ذي نوعية عالية.

1-2 وإذا أخذنا عينة عن المخالفات، فما حصل في كلية الزراعة يمكن ايراد الوقائع التالية – وقد حصلت في فترة مسؤولية د. عدنان السيد حسين:

– لقد تم توقيع عقود عمل للتدريس في كلية الزراعة لأطباء في الطب البشري من فئة معينة: اختصاص مسالك بولية، وجراحة في الاسنان، وفي التجميل وفي العظم.

– تفريغ مصمم ديكور.

– تفريغ 18 متخصصاً في الكيمياء، وعدد مواز في اختصاص الهندسة المعمارية والمدنية والميكانيك والرياضيات والفيزياء، بحيث بلغت نسبتهم في الكلية 42% من مجموع المتفرغين. وقد استحدث لهم مواد لا دخل لها بالزراعة.

– تم تحويل مئات المجازين في العلوم من فرع الحدث الى كلية الزراعة، وتم تعديل شهاداتهم خلافاً للقوانين الإدارية الواردة في النظام الداخلي للكلية.

1-3 لقد تم وضع المرسوم 9084 للحد من دخول الجامعة والتعليم فيها دون ضوابط، لكن ما يحصل فعلاً هو عدم تطبيق هذا المرسوم في الكثير من الأحيان، وتدخل القوى السياسية المهيمنة وتعيين لجان الاشراف على قبول طلبات الأساتذة على قاعدة «الواسطة السياسية» وليس على قاعدة المعايير والشروط الاكاديمية.

1-4 ما هو الحل؟

إن جوهر أزمة الجامعة اللبنانية تكمن في استعادة استقلاليتها عن الاستباحة الحاصلة لها من قبل الأحزاب ولاسيما من فئات معينة. في هذا السياق نذكّر بما ورد في وثيقة الاونسكو المتعلقة بشأن أوضاع هيئات التدريس في التعليم العالي (1997) والمقرة من الحكومة اللبنانية:

«المادة 19: ان الدول الأعضاء ملزمة بحماية مؤسسات التعليم العالي من التهديدات التي قد يتعرض لها استقلالها أياً كان مصدرها».

«المادة 21: ان التسيير الذاتي والإدارة الجماعية والقيادة الاكاديمية المناسبة تعد من العناصر الأساسية لتمتع مؤسسات التعليم العالي باستقلال ذاتي حقيقي».

وقد ورد في المادة 13 من الشرعة العالمية للتعليم العالي، الفقرة ب: «يجب إعطاء مؤسسات التعليم العالي استقلالاً ذاتياً في تدبير شؤونها الداخلية، ولكن يقترن هذا الاستقلال الذاتي بالاستجابة الواضحة والصريحة للمساءَلة امام الحكومة والبرلمان والطلاب وامام المجتمع بوجه عام».

إنّ الإصلاح الفعلي، على مستوى الهيئة التعليمية، يكمن في رفض المسار الانحداري الحاصل والمتمثل في كل حامل دكتورا للتعليم في الجامعة.

ويجب أن يتحقّق الإصلاح على ثلاثة مستويات:

المستوى الأول:

تطهير الجسم التعليمي الموجود حالياً (ملاك – تفرغ – تعاقد)، حيث يتم تأليف لجنة تتمتع بالنزاهة والحياد والعلم والكفاءَة العالية، تقوم بدراسة ملفات جميع الأساتذة ويتم الاستغناء عن كل أستاذ يعاني ملفه الخلل الواضح، وكذلك من لا عمل له في المناهج المقرة للكليات.

المستوى الثاني:

‌أ- اعتبار التعليم العالي مهنة، وضرورة اعداد كل من يود ممارسة هذه المهنة بحيث يتمتع بالصفات الخلقية والفكرية والتعليمية الضرورية وامتلاك المعارف والمهارات المهنية المطلوبة.

‌ب- تحديد ملاكات الكليات والمعاهد بحيث يتوضح عدد الأساتذة الذين تحتاج اليهم تلك الكليات والمعاهد.

‌ج- وضع خطة لإعطاء المنح للطلاب المتفوقين وارسالهم الى اهم جامعات العالم وأكثرها تقدماً، وبعد حملهم درجة الدكتورا يتم ادخالهم في الجسم التعليمي في الجامعة.

‌د- إخضاع الأساتذة الموجودين لدورات تدريب مستمرة لتحسين أدائهم، وتبادل الخبرات مع جامعات متقدمة من خلال تبادل الأساتذة. هذا يفترض تطوير نظام السنة السابعة، المتبع حالياً.

‌ه- الإقفال المؤقت لمعاهد الدكتورا الحالية في الجامعة وتعديل المرسوم 49 واجراء تغييرات جذرية في هذا المجال.

‌و- ربط إدخال أي أستاذ بالتأهيل، وهذا يتطلب المزيد من تطوير المرسوم 9084 وإدخال التعديلات عليه، والتشدد في انتقاء أعضاء لجان القبول والتخفيف، ان لم يكن الإلغاء، لكل المؤثرات السياسية والحزبية والفئوية في هذا المجال.

‌ز- وضع حدّ لهجرة الكفاءات والادمغة، لا بل العمل لاستعادة الكفاءات ضمن خطة مدروسة.

المستوى الثالث:

– أهمية الامن الوظيفي إذ إن التثبيت في الخدمة، على قاعدة الحاجة والكفاءَة والتوازن، يشكل أحد اهم الشروط للحرية الاكاديمية ضد القرارات التعسفية. وتأمين الرواتب الشهرية يحول دون ترك الكفاءات للجامعة والاحتفاظ بذوي المواهب من أعضاء هيئات التدريس.

– وإن تعزيز صندوق التعاضد وتحسين خدماته هو الذي يؤمن بيئة عمل لا يكون لها وقع سلبي او تأثير على صحة الأساتذة وامنهم. فالصندوق هو الذي يؤمن الحماية من المرض والعجز وسائر الخدمات الاجتماعية.

– وإذا كانت المادة 58 من وثيقة الاونسكو حول هيئات التدريس قد اكدت على ضرورة المراجعة الدورية لرواتب الأساتذة وملحقاتها، ارتباطاً مع ارتفاع تكاليف المعيشة، فمن حق أساتذة الجامعة اللبنانية ان ينالوا زيادة 30% على رواتبهم (غلاء معيشة منذ العام 2011) وكذلك تطبيق القانون 46 بالنسبة لأجر جلسات المراقبة بحيث تزاد من 62 الف ل.ل. الى 135 الف ل.ل.، تطبيقاً للمرسوم 6011.

 

الرئيس الأسبق لرابطة الأساتذة

الناطق بإسم الأساتذة المستقلين الديمقراطيين في الجامعة اللبنانية