Site icon IMLebanon

«مُطابق» و«غير مُطابق»… حقائق لا يعرفها الجميع

اليوم، وبعد مرور اكثر من شهر على ما اتفق على تسميته حملة سلامة الغذاء، والتي انطلقت برأي البعض من خلال القنبلة التي فجّرها وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور، عندما خرج الى الرأي العام بشكل مفاجئ ليعلن ان لقمة اللبناني مغمسة بالأمراض، اصبح في الامكان اجراء تقييم اولي هادئ، حول حقيقة الوضع اولاً، والنتائج السلبية والايجابية التي أدّت اليها هذه الحملة.

لا شك في ان لوائح ابوفاعور «مطابق» و«غير مطابق»، اصبحت اشهر من ارقام سحب اللوتو، «اذا مش التنين الخميس». كثيرون يرون في هذه اللوائح عملا شجاعا أقدم عليه الوزير «الحزبي» الذي ذكّر الناس بحزبيته اكثر من اللزوم. لكن آخرين اعتبروا انها خطوة استعراضية، أدّت الى خسائر من دون ان تؤدّي الى نتائج مضمونة سوف تستمر لاحقا.

في الواقع، أدّت قرارات ابو فاعور الى سلبيات وايجابيات يصعب منذ الان الجزم في تقييمها النهائي، لأن الامور لم تصل الى خواتيمها بعد. لكن من خلال ما هو ظاهر حتى الان، يمكن الخروج بلائحتين، على غرار لوائح ابو فاعور «مطابق»و»غير مطابق»، تحت مسمى سلبي وايجابي.

في لائحة الايجابيات، يمكن الادعاء ان مبادرة ابو فاعور أدّت الى الامور التالية:

اولا- تسببت بصدمة كبيرة، كان يحتاجها الجميع للتفكير جديا بضرورة الالتزام بالمعايير الصحية التي تفرضها القوانين.

ثانيا- فتحت ملفات مزمنة وخطيرة من ضمنها ملف المياه الملوثة، اذ من المعروف منذ سنوات، ان قسما من المزروعات يُروى بالمياه الآسنة.

ثالثا – زاد منسوب الوعي الشعبي الى مشكلة سلامة الغذاء، ودفع هذا الوعي المواطن الى طرح الاسئلة ومراقبة ماذا ومن اين يشتري.

رابعا – أدّت المفاجأة الى نوع من الإحراج لأطراف سياسية كانت تعارض منذ سنوات تسهيل مرور قانون سلامة الغذاء بذريعة حماية صلاحيات الوزارات. ويبدو ان القانون المقترح اصبح على قاب قوسين او أدنى من الاقرار.

خامسا- الضغط الاعلامي والشعبي دفع مجموعة كبيرة من المؤسسات التي تتعاطى الغذاء، الى تحسين اوضاعها، من حيث النظافة والمظهر، والمضمون. كما دفع باتجاه مبادرات من قبل القطاع الخاص، مثل مبادرة انشاء مركز التدريب على سلامة الغذاء.

هذه الايجابيات قابلتها سلبيات ظاهرة، يمكن اختصارها بالنقاط التالية:

اولا- لحقت بالقطاع المطعمي وبعض المؤسسات التي ذُكر اسمها في اللوائح الاولى، خسائر مادية كبيرة في وضع اقتصادي صعب يحتاج فيه البلد الى حماية كل مؤسساته.

ثانيا – لم تتأمّن العدالة في التسمية والتشهير. اذ ان الحملة بدأت قبل ان تكتمل الدراسة، وكل اسم كان له شرف الظهور في اللائحة الاولى، تحمّل القسم الاكبر من الاضرار.

ثالثا – تاثرت سمعة لبنان السياحية، بصرف النظر اذا مان كان يوجد سياح في البلد ام لا. خصوصا ان القطاع المطعمي اللبناني من العوامل التي تشكل مادة جذب سياحية، ويتم تناقل الاخبار الطيبة عنها من الفم الى الأذن في دول الخليج.

رابعا – وصلت الاضرار الى القطاعين الزراعي والصناعي. وتأثر انتاج مزارع الحليب، كذلك تأثر تصدير المواد الغذائية، سيما منها منتجات الالبان والاجبان.

هذه اللوائح الاولية في السلبيات والايجابيات لا تشكل سوى رأس جبل الجليد، وهي عوامل تظهر للعيان بوضوح، لكن المشاكل والتساؤلات الاصعب تكمن في بعض الخفايا غير الظاهرة.

وفي هذا السياق، تُطرح مجموعة تساؤلات تحتاج الى من يجيب عليها، منها:

اولا- هل توجد قناعة بأن التشهير يتم وفق القانون والمساواة، من دون تمييز. وهل يمكن لعاقل ان يصدق، على سبيل المثال لا الحصر، انه اذا ارتأى زعيم اي وزير حزبي او وزير تابع في الحكومة ان يغض النظر عن مخالفات تجري في مؤسسة ما، هل يستطيع الوزير مخالفة الاوامر؟ وبالمناسبة، يتردّد ان هذا الامر حصل فعلا، من دون ان تكون لدى من يقول هذا الكلام دلائل حسية. وهي على الارجح لن تتوفر.

ثانيا- هل اتبعت وزارة الصحة اسلوبا علميا في حملات التفتيش تنصّ عليها المعايير العالمية، ومنها اجراء حملات تشبه الدراسات على مدى طويل لتحديد المشاكل الحقيقية. اذ ان سلامة الغذاء لا تقوم على رفع عينة قد لا تكون مطابقة لسبب او لآخر ويتم التشهير.

وفي اليوم التالي تُرفع عينة يصدف انها مطابقة فيتم التصحيح. اذا تم اتباع هذا الاسلوب قد تتحول العملية الى لعبة مسلية للبعض، ومملة للبعض الآخر، يوم مطابق ويوم غير مطابق ومن ثم مطابق…

ثالثا – هل لاحظ المسؤولون ان قضية اللوائح تحولت من ازمة تحتاج الى علاج الى ما يشبه التسلية الشعبية. واحيانا بدأنا نشهد رهانات نسائية، وأحيانا تزريك، حول المتجر الذي سيصدر اسمه، لكي تثبت السيدة صحة خيارها!

رابعا – هل يجوز ان تصدر اللوائح تحت تسمية مطابق وغير مطابق. ومن صدف ان صدر الدجاج لديه يحتوي على سالمونيلا اكثر بنسبة طفيفة من المسموح به، يُعامل مثل الذي يحتاج متجره الى اقفال تام وتعقيم وتنتشر فيه الاوبئة الى حد يمكن اكتشافها من دون فحص في المختبر.

من باب الصدفة، وبينما كانت وزارة الصحة تعد اللوائح تباعاً، وتخرج بها الى العلن كل يوم، صدر في صحيفة «الاندبندنت» البريطانية عنوان عريض يقول ان 70 في المئة من الفحوصات التي أجريت على الدجاج في السوبرماركت في بريطانيا تبين انه يحتوي على بكتيريا مسمّمة .

(70 per cent of British supermarket chickens test positive for food poisoning bacteria)

عندما يخوض القارئ في التفاصيل يكتشف حقائق تحتاج وزارة الصحة الى الاطلاع عليها لكي تبني على الشيء مقتضاه، منها:

اولا – ان كل الدواجن تحتوي على بكتيريا. والتحدّي يكمن في خفض النسب، وفي توعية الناس على طريقة الاعداد فقط. ويتبيّن ان المشكلة موجودة في المنازل اكثر مما هي في المتجر الذي يبيع السلعة. واللوائح التي تعلنها الهيئة البريطانية المعنية بسلامة الغذاء (FSA) تقوم على مبدأ نشر النسب بين المتاجر. وتعلن على سبيل المثال، ان المتجر الفلاني لديه نسبة 60 في المئة. والمتجر الآخر لديه نسبة 70 في المئة. وهكذا يكون التنافس على خفض هذه النسبة ليس الا.

ثانيا – ان اعلان النتائج لا يتم نتيجة اخذ عينة عشوائية في يوم واحد. بل يأتي نتيجة خطة معلنة مسبقا، اشبه بدراسة تمتد لسنة كاملة. وقد تبين ان الهيئة البريطانية اذاعت نتائج الفصلين الاولين من السنة. وتبيّن ان الهيئة اعلنت بشفافية ان الدراسة تمتد من شباط 2014 حتى شباط 2015، وانها سترفع خلالها 4 آلاف عينة للفحص الدوري، لكي تتمكن من الخروج بنتائج دقيقة قدر المستطاع.

ثالثا – تبيّن ان الهيئة (FSA) تدرس العينات حسب الفصول، وهي تدرك ان نسب البكتيريا تزيد في فصل الحر، وتنخفض في الصقيع.

رابعا- تحرص الهيئة على اعلان نسب البكتيريا، لأن الفارق شاسع بين نسبة منخفضة تكاد لا تكون اعلى من المعدل المسموح، وبين نسبة مرتفعة مخاطر التسمّم فيها شبه اكيدة.

خامسا – تحرص الهيئة على طمأنة الناس الى ان اتباع الطهي الصحي من شأنه ان يقضي على الاوبئة، وتصدر منشورات التوعية الضرورية في هذا الشأن.

تُبيّن الأرقام ان عدد الذين يصابون بتسمّم غذائي في بريطانيا سنويا هو 280 الف مواطن. وبالمناسبة، تُبين الأرقام المنشورة ايضا ان المعدل السنوي للذين يصابون بالتهاب السالمونيللا في الولايات المتحدة هو 50 الف مواطن سنويا.

خلاصة هذه الحقائق، اننا نحتاج في لبنان الى حماية سمعة البلد، والى اسلوب مختلف قليلا عن «المطابق» و«غير المطابق» اذا اردنا فعلا خفض نسب التسمّم الغذائي، وزيادة نسب الغذاء المطابق في أسواقنا.