IMLebanon

تساؤلات لبنانية على مشارف إدلب

 

 

تقدّم ساحات بيروت اليوم صورة للحياة السياسية البنانية التي لن تنقضي مع انتهاء جلسة الثقة بل ستستمر حتى الرمق الأخير لهذا العهد. ما ستُسفر عنه الجلسة ليس مهماً، فالسلطتان التنفيذية والتشريعية المتسلّلتان تحت جنح الظلام عبر الأسوار الإسمنتية والأسلاك الشائكة، والمجتمعتان على الخوف ممن هم خارج الأسوار، تدركان أنّ الثقة المنشودة لم تعدّ تحت قبّة البرلمان، ففاقد الشيء لا يعطيه. يدرك الوزراء أنّ لا شيء يجمعهم سوى مرسوم التشكيل، فأصحاب الكفاءة منهم الذين شغلوا مسؤوليات عامة وهم مدركون لمفهوم العمل الرسمي يجالسون قسرياً فريقاً أتى به السياسيون لملء مقاعد شاغرة ، وهم قرأوا في الموازنة المسطّحة التي أُلزموا بها أنه ليس هناك أي خطة إنقاذ جديّة وأنّ الفساد المستشري والمصالح  المتشابكة التي ارتفعت فيها النكهة الإقليمية أقوى من أن تصوّبها كفاءاتهم ونواياهم، هم فريق استُحضر لملء الفراغ في الوقت الضائع. كما يدرك النواب، حتى نظيفي الكف منهم، أنهم أصبحوا عبئاً على ناخبيهم وقراهم وعائلاتهم، وإنهم يتحملون عبء مجموعة فاسدة منهم تواجه المواطنين برعونة وفوقيّة وتعبّر عن نفسها بخطاب مناطقي طائفي يبشّر بذهنية لم تتعظ من التجربة.

 

يسلّم الفرقاء السياسيون كلهم بانكشاف الساحة اللبنانية ونقاط ضعفها، فالأزمة اللبنانية لم تعد إقتصادية أو نقدية، وهي ليست سياسية داخلية بمعنى السيطرة على مفاصل الدولة أو المال العام أو تهيئة الظروف لكسب الإنتخابات. لبنان، في ظلّ التبدّل في مقاربة الولايات المتّحدة للنفوذ الإيراني، والذي كان آخر تعبيراته مقتل قاسم سليماني، أضحى بامتياز جزءاً من الخريطة الإقليمية وجزءاً من الحرب المفتوحة على إيران. وبهذا المعنى فإنّ حزب الله هو جزء من الصراع الكامن على النفوذ في سوريا، والذي تعبّر عنه الضربات الإسرائيلية على الميليشيات الإيرانية كما تعبّر عنه المعارك الدائرة في إدلب، والتي تسعى روسيا من خلالها الى انهاء وجود الميليشيات في المحافظة وتعويم النظام وانتاج ظروف جديدة للعملية السياسية. وفي هذه الظروف يعيد كلّ فريق لبناني حساباته مع الرياح المستجدّة الآتية من الشرق سواء للإستثمار وتحسين شروطه مع الوضع الجديد أو استعداداً  للمواجهة بشروط أفضل.

 

مراقبة متغيّرات الميدان في سوريا السورية أثبتت استدامة إلتقاء المصالح الأميركية بالرعاية الروسية للساحة السورية، وهي قد التقت سابقاً في ما يتعلّق بالهامش الذي أُعطي لإسرائيل في قصف أهداف في الداخل السوري، كما التقت في هندسة المنطقة الآمنة في شرق الفرات وإقصاء قوات سوريا الديمقراطية. حسم الوضع الميداني في إدلب وإنهاء دور الميليشيات قد يكون الدور الجديد للنظام على حساب  كل التحالفات السابقة، وما يصح في سوريا ليس بعيداً تطبيقه في لبنان.

 

وفيما يراهن القسم الأكبر من اللبنانيين على إعادة تشكيل السلطة عبر إنتخابات مبكّرة وفقاً لقانون عصري يحقق الدولة المدنية وتكافؤ الفرص بين المواطنين، يراهن المحافظون الجدد في لبنان على مجريات الميدان في إدلب بطريقة السير على حافة الهاوية وهم يتأهبون لتوظيفها في مصالحهم، وربما ترتفع حدود المغامرة عند بعضهم لتبلغ حدود الإنتحار. لذلك ثابروا منذ سنوات على تعطيل كافة الحلول الوطنية وجهدوا خلافاً للمصلحة الوطنية وللظروف المالية الصعبة على مركزة المنشآت الحيوية في مناطق معينة تحت مسميّات وعناوين طائفية بما يوحي بتحضير البنيّة التحتيّة للخروج من حالة الدولة المركزية. فهل أيقظت نتائج الميدان في إدلب والدور المأمول للنظام الأحلام القديمة المتجدّدة ؟ وهل هذا ما أراده البطريرك بشارة الراعي من روما عندما طالب بتطبيق اللامركزية الموسّعة وإلغاء المادة 95 من الدستور؟  وهل هناك من يريد تقمّص دور البطريرك الياس الحويك مجدداً؟

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات