لا غبار على أن ما يجري اليوم في محافظة ادلب السورية من أعمال عسكرية قاسية مرتبط بالوضع في لبنان ، فعلى ما يبدو فإن تركيا وواشنطن تهدفان إلى انهاك السياسة الروسية والسورية والايرانية في لبنان و سوريا معاً .
فمن جهة ترفض أميركا رؤية الأزمة السورية وعلى الصعيد الامني تحديداً منتهية ، وفي المقابل ومن جهة أخرى تود واشنطن الهاء الجهتين السورية والروسية في صراع مزمن مع تركيا ليخفت صوت الدعم الروسي والسوري لحكومة الرئيس حسان دياب في لبنان .
فروسيا وسوريا باتتا اليوم تبدّيان الوضع في ادلب على ما يجري في لبنان نظراً لخطورته ، ولأن محافظة أدلب ككل تعتبر موقعاً جيوسياسياً هاماً بالنسبة لسوريا على وجه الخصوص إذ أن المحافظة لها حدود مع تركيا يبلغ عرضها 140 كلم فضلاً عن أنها تقع بين محافظتي اللاذقية ومحافظة حلب .
إن الخطر التركي على سوريا والمدعوم أميركياً وصلت مسامعه إلى القيادة السورية بتاريخ 29/2/2020 عندما طلب أردوغان من بوتين بأن تبتعد روسيا عن طريقه في ادلب لافساح المجال أمام الجيش التركي لضرب القوات السورية في اشارة تظهر فيها أنقرة نيتها البقاء في أرض سوريا لانشاء منطقة عازلة يبلغ عمقها 30 كلم في محافظة ادلب تكون تحت سيطرتها واشرافها عسكرياً وسياسياً ، وقد أتى الدعم الأميركي لتركيا عندما اشار وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو بتاريخ 28/2/2020 ، بأن تصرفات نظام الأسد وروسيا وحزب الله تقف عائقاً أما تثبيت وقف اطلاق النار في شمال سوريا .
واضاف بومبيو أن بلاده تدعم تركيا عقب الهجوم السوري على جنودها في ادلب وهي تعتبر الهجوم على القوات التركية حقيراً ووقحاً .
أما مرافقة أردوغان، الاعلامية والأكاديمية أوزلام البيرق والمتابعة لتفاصيل مباحثات أستانة وجنيف لفتت إلى أن ادلب مهمة بالنسبة إلى تركيا لكونها من أولى المناطق التي انخرطت في الثورة السورية فضلاً عن أهمية موقعها الاستراتيجي بالنسبة لتركيا لناحية عزم أنقرة على قطع ممرات النتنظيمات الكردية التي تشكل خطراً عليها ، اضافة إلى قربها من مدينة اللاذقية عاصمة الساحل السوري والعرين الهام بالنسبة للنظام على ذلك الساحل اضافة إلى أنها تبعد 45 كلم فقط عن مدينة الريحانية التابعة لولاية هاطاي التركية.
ويتبين أن واشنطن مازالت تخوض حربين ، الحرب الاولى على لبنان بواسطة العقوبات على حزب الله والحرب الثانية هي الحرب المستمرة على سوريا عبر الابقاء على مناطق توتر في الداخل السوري بواسطة الجيش التركي هذا ما عدم تناسي الأطماع التركية التاريخية في سوريا .
وفي هذا الاطار يقول الباحث البارز في مركز الدراسات العربية والاسلامية التابع لأكاديمية العلوم الروسية بوريس دولغوف لشبكة سبوتنيك الروسية بتاريخ 18/2/2020 بأن التصعيد في ادلب لم يكن ليحصل دون مساعدة من الشركاء الخارجيين ، لأن هدف واشنطن الأساسي هو التوسع في جميع أنحاء سوريا ، وادلب ليست استثناءً ، ومن هنا و في هذا الصدد تتعاون واشنطن مع تركيا التي لديها مصالحها الخاصة في سوريا بما يتوافق مع المصالح الامريكية .
وتصديقاً على كلام دورغوف، طالبت المندوبة الاميركية لدى مجلس الأمن كيلي ترافت بوقف فوري لاطلاق النار في ادلب ، واصفةً الهجمات بأنها بربرية ، وألقت باللائمة على روسيا و سوريا في انتهاك اتفاقات وقف اطلاق النار وأشارت إلى أن مسار أستانة أنتهى تماماً ولن تكون له عودة .
وبرأيي الشخصي أصبحت الرسالة الأمريكية لروسيا وسوريا وحزب الله على الشكل التالي ، لا تعدوا أنفسكم بالسيطرة التامة على القرار اللبناني لأن الحرب على سوريا لم تنتهي .
وبالعودة إلى الشأن اللبناني، يقول الخبير الاقتصادي أيلي يشوعي أنه في حال دفع لبنان القيمة المالية لاستحقاق آذار فإن ذلك سيكون على حساب قدرة البنك المركزي في استخدام الإحتياطي لتأمين المواد الأساسية مثل المحروقات والأدوية والقمح ما سيؤدي إلى نواقص في السوق اللبنانية خصوصاً على صعيد المستلزمات الطبية ، ويضيف يشوعي قائلاً إن مسألة لجوء لبنان إلى الصندوق لمنحه كماً معيناً من العملات الصعبة من أجل تعويم ماليته العامة و استحقاقات الخزينة اللبنانية والاقتصاد اللبناني ، ليست مجانية لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشروط شديدة القساوة ، وستكون موجعة للبنانيين ومن ضمنها الخصخصة الكاملة لكافة قطاعات الخدمات وموازنة التوازن من دون عجز و بالتالي الحاجة والتوق إلى الاستدانة ، وهذا سيحجم القطاع العام و سينجم عن ذلك وضع نحو 150000 موظف من دون عمل وسيخلق أزمة اجتماعية حادة تضاف إلى الأزمة الحالية .
هذا في وقت ما زالت الحملة الاميركية مستمرة على حكومة الرئيس حسان دياب ، إذ أنه بتاريخ 11/2/2020 قالت مصادر أمريكية غير رسمية لموقع العربية نت أن واشنطن تراقب تصرفات حكومة دياب لكنها لن تتدخل كي لا توجه اليها تهم الفشل رغم اقتناعها بأن الحكومة اللبنانية ستفشل لأن ما تراه منها ليس واعداً ولا يتطابق مع ما يطالب به اللبنانيون و تضيف المصادر الامريكية بأن الحكومة اللبنانية ستواجه مأزقاً مالياً كبيراً خلال الأسابيع القليلة القادمة .
وبالمناسبة ليس سراً بأن العقوبات الأمريكية على حزب الله قد فرضت لنزع سلاحه ، فالمطالبة الأميركية بهذا المراد بدأت في الماضي القريب إذ أنه بتاريخ 20/10/2006 أعلن الامين العام للأمم المتحدة حينها كوفي أنان في تقرير أن تحويل حزب الله إلى حزب سياسي يشكل المفتاح لسلام دائم في لبنان ، وفي 20 كانون الثاني 2006 أعلن مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد وولش عن أن حزب الله لا يفترض ان يكون أساساً في الحكومة وأن عليه احترام القرار 1559 الذي يلزمه نزع سلاحه فوراً وفي 3 أيار 2019 جدد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس مطالبته نزع سلاح الحزب و وقف عملياته العسكرية في سوريا ، أما بتاريخ 20 تشرين الثاني 2019 كان عنوان رسالة الكونغرس إلى غوتيريس أوقفوا حزب الله علماً أنه في 26 تشرين الاول 2018 قالت محطة ال cnn بأن الرئيس دونالد ترامب وقع على قانون يقضي بعزل حزب الله عن النظام المالي العالمي بدرجة تفوق أي وقت مضى .
فيما قالت صحيفة لوريان لوجور الفرنسية بتاريخ 12/7/2019 بأن العقوبات الأمريكية على نواب حزب الله لا تعدوا كونها رسالة أمريكية واضحة إلى لبنان والحزب معاً والهدف من العقوبات يكمن بسعي واشنطن إلى اضعاف إيران و حزب الله .
و في المحصلة النهائية فإن الخطة الاميركية الجديدة اليوم تحمل عنواناً واحداً مفاده أن لبنان سيبقى مضطرباً والضغط سيشتد على حكومة الرئيس دياب ، أما في سوريا فسيبقى التوتر سائداً في ادلب لأن ذلك التوتر ليس سوى موطئ قدم أميركي تركي في سوريا وهي تسعى إلى ابقائه .
فهل سيكتب النجاح للخطة الامريكية الجديدة أو للرهان الأميركي الجديد ؟