Site icon IMLebanon

إدلب والاستحالة

 

ليست إدلب نهاية مطاف بل نقطة تحوّل.. سقوطها أو محاولة إعادتها إلى القفص السلطوي ليسا خيارَين واقعيَّين برغم كل الظواهر المعاكسة. وبرغم الشبق الأسدي لإكمال «تحرير» سوريا من السوريين! وبرغم التفاهمات (المبدئية) الكبيرة والعريضة الإقليمية والدولية المتحكّمة بمسار هذه النكبة في عامها السابع!

 

كان يُفترض وفق الحسابات المنظورة أن تُستكمل المذبحة تحت ستار وشعار الحرب على الإرهاب، وأن يكون ذلك جزءاً من «ترتيبات» أشمل تطال النفوذ الإيراني و«حدود» أدوار معظم المعنيين بالخريطة السورية وما يدور عليها.. ثم مدخلاً إلى الفترة الانتقالية الفاصلة (افتراضياً!) بين انتهاء مرحلة العسكرة وبدء الحل السياسي الأخير الذي يعني (بالإذن من أهازيج الانتصارات الممانعة) إسدال الستار على حكم آل الأسد بعد قرابة خمسة عقود على بدئه!

 

لكن تبيّن ويتبيّن أنّ الأمور لا تسري بسلاسة كافية! وأن الشياطين الكامنة في التفاصيل ليست بسيطة ولا من النوع الذي تطرده حفلات التبخير: لا النفوذ الإيراني طيّع على المعالجة الروسية! ولا الفصل المنشود ممكن بسهولة أو بالهيّن بين «النصرة» وأخواتها المصنفّات في خانة الإرهاب وبين القوى المعارضة الأخرى المرعيّة تركياً وغير تركي. ولا الجغرافيا مطواعة مثلما كانت في مناطق القتال الأخرى.. بل ربما يكون هذا المعطى المتصل بهذه الجغرافيا هو أصعب العقبات وأخطرها. بمعنى أن إدلب كانت المقصد شبه الوحيد في الداخل بداية، ثم الوحيد لاحقاً، لكل القوى المسلّحة التي رفضت التسويات أو ما يُسمى المصالحات.. مثلما كانت مقصداً لنازحين بالجملة، ما جعل عدد القاطنين فيها وفي قضائها يقارب الثلاثة ملايين. وبالتالي فإن أي مقاربة على الطريقة الأسدية (الروسية؟) لهذه المنطقة لا تعني شيئاً غير الاستحالة.. إلى أين سينزح النازحون إليها أصلاً؟ وإلى أين سيذهب رافضو المصالحات والتسويات؟ وكيف سترضى تركيا أو يمكن أن ترضى بتلقّف تبعات هذه الكارثة وتعقيداتها؟ وكيف يمكن تجاهل الحقيقة القائلة بأن حشر جماعة «النصرة» في الزاوية لن يعني شيئاً سوى مقارعة ملحمية تمتد طويلاً، ونتائجها غير حاسمة؟!

 

وبرغم ذلك، فإن إدلب تبدو عنواناً خارجياً لأزمة أشمل منها وأكبر وتتصل تحديداً بانعدام الثقة أميركياً وغربياً بالروس في سوريا. أكان في شأن النفوذ الإيراني أو في شأن المآلات الأخيرة المتّصلة بالنظام والتركيبة التي ستخلف بقايا السلالة الأسدية.. بهذا المعنى يمكن تفسير «العودة» إلى تأكيد استحالة دوام تلك السلالة في مستقبل حكم سوريا من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ثم من قبل وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بعد فترة صمت وإبهام لم تكن قصيرة.

 

ما تعنيه هذه المناحة في جملتها هو أن «النزاع مستمر». وأن الخلاصات الانتصارية التي يحاول المحور الإيراني – الأسدي إشاعتها باعتبارها ثوابت وأكيدة، ليست سوى تخرّصات لا يُعتدّ بها، وأن الأميركيين لا يناورون ولا يمزحون في مواقفهم الراهنة ويستعدّون للأسوأ.. والآتي أعظم!