Site icon IMLebanon

إدلب والفارق

 

صعب الاستنتاج بأن اتفاق سوتشي الخاص بإدلب طوى تماماً مرحلة العسكرة في النكبة السورية، لكن ليس صعباً في موازاة ذلك، الافتراض بأن ذلك الاتفاق طوى موسم الأفراح الأسدي – الإيراني، وأطلق “خريفاً استراتيجياً” عنوان اصفرار أوراق النفوذ والاستمرار عند ذلك الثنائي، قبل مباشرتها السقوط على الأرض!

 

تفاصيل الاتفاق الروسي – التركي كثيرة وخطيرة وصعبة، لكنها لن تقوى على المضمون العام القائل بأن إدلب صارت عنواناً لاستحالة الحسم العسكري والسياسي الذي سوّقه الإيرانيون والأسديّون غداة تطورات الغوطة الشرقية ودرعا.. مثلما صارت عنواناً لمحدودية مبدأ رسم الخرائط الكبرى بالرصاص والنار والقدرة القتالية.

 

واستحالة الخيار لا تعني عدم تجريبه ولا نطْح الحيطان في سبيل ذلك. أي أن خيار الحسم العسكري لا يزال يدغدغ ملكات القرار والأحلام والأوهام عند الجماعة الإيرانية – الأسدية، وهذه “جاءت” الى اتفاق سوتشي مضطرة وليست مختارة ولا مقتنعة. وليس سرّاً أو محل تأويل وتخمين أنها ستحاول الدفع نحو خرقه أو اللعب على هوامشه لكسر مضمونه.

 

لكن ليس سرّاً أيضاً موقف موسكو الراغبة بشدة (مبدئياً) في استئناف الحرب على الجماعات المصنّفة إرهابية بما يعنيه ذلك من تثبيت حصرية قيادتها دفّة الأمور في سوريا، إلا أنها ذهبت الى الاتفاق ليس لتخرج منه! وقدرتها “القيادية” إزاء حلفائها بهذا المعنى لم تتضرر بل تأكدت! وما تقرّره هي استناداً الى “حساباتها” و”مصالحها” لا يستطيع الإيرانيون تحدّيه أو مخالفته.. وكذا الحال تلقائياً بالنسبة الى التابع الأسدي المأمور وليس الآمر!

 

بل أن موسكو دلّت على شيء أبعد مدى من “جغرافية” اتفاق سوتشي: أقرّت باستحالة الحسم العسكري بداية، ثم الأهم، باستحالة فرض “تسوية” عرجاء تُبقي القديم على قدمه؛ مع تحسينات شكلية! وهي في واقع الحال، لمست تلك الاستحالة قبل قصّة إدلب عندما حاولت مقاربة قضية النازحين السوريين الى دول الجوار من باب المقايضة العارية مع الدول المعنية والغنية! وحاولت جرّها الى قبول معادلة: إعادة النازحين تساوي إعادة الإعمار، لكن من دون “إعادة” النظر بعمق في النظام والسلطات وأسباب النكبة في أصلها وفصلها وجذورها وتفرّعاتها!

 

حسابات روسيا الواقعية لا تتناسب مع أوهام الإيرانيين والأسديين، لكنها تسري عليهم حُكماً وحتماً.. وهي في سوريا “يحقّ” لها ما لا يحقّ لهؤلاء استناداً الى حقيقة أنه لولا تدخّلها العسكري لفرطوا واندحروا! ولولا وزنها وثقلها لما مالت إبرة الميزان بالاتجاه المعاكس للمعارضة! ولما أمكن طهران الاستمرار في التشاوف الانتصاري ولا ادّعاء ملكية ما لا حقّ لها فيه في سوريا وبين أهلها وأقوامها.

 

إتفاق إدلب وُضع كي يُنفّذ. لكن بغضّ النظر عن ذلك، فهو في ذاته وعنوانه قبل تفاصيله يدلّ على صوابية المبدأ القائل بأن عالم اليوم محكوم بالمصالح قبل المبادئ! وبالواقعية قبل تخرّصات الأدلجة المتينة السبك.. وأن ما تقرّره الدول “الكبرى” لا تنقضه الدول “الصغرى” حتى لو وصل ضجيج هذه الى السماء.. وبإسمها!