Site icon IMLebanon

إدلب معركة سوريا الكبرى: شظايا أوروبية وتركية ومواجهة أميركية – إيرانية!

إدلب معركة سوريا الكبرى: شظايا أوروبية وتركية ومواجهة أميركية – إيرانية!

منظرو ترامب يتساءلون عن المسار الروسي في ضوء اختبار تفاهمات هلسنكي

 

«بيت القصيد في الوجهة التي سيسلكها ما بات يُطلق عليه «الإرث الجهادي العالمي»

أي عنوان تحمله معركة إدلب التي تُقرع طبولها؟ سؤال يفرضه حجم التعقيدات التي تحوط بالمعركة ذاتها من جهة، واحتدام المواجهة  في المنطقة مع إيران من جهة ثانية. كان جلياً أن إدلب ستكون المعركة العسكرية الكبرى والنهائية في سوريا، بعدما تحوّلت «مستودعاً» لكافة أنواع المقاتلين, ولا سيما مقاتلي «هيئة تحرير الشام» – جبهة النصرة سابقاً، والمتشددين والفصائل المسلحة المعتدلة، والمقاتلين الأجانب الذين أتوا بالآلاف من كل حدب وصوب، ويشكلون اليوم محور الاهتمام العالمي لمجريات المعركة ومآلها.

فما بات يطلق عليه «الإرث الجهادي العالمي» هو بيت القصيد، في هذا التوقيت. التركيز الأكبر يتمحور حول الوجهة التي سيسلكها المقاتلون ومنهم الأجانب، ومدى قدرتهم على التسرّب من هناك إلى دولهم أو إلى ساحات جديدة. القلق من أن تؤول وجهة هؤلاء إلى تركيا، وأن تحصل إليها أيضاً موجه نزوح، فيتسرّبون منها إلى أوروبا التي تعيش كابوس تدفق اللاجئين.

ما ليس واضحاً بعد المنحى الذي ستأخذه معركة إدلب. معيار القياس هو موقف القوى المعنية بها. لم تكن المعارك السابقة، من حلب إلى البادية والغوطة الشرقية وجنوب سوريا، لتحصل لولا نضوج الظروف السياسية والتوافقات والصفقات الدولية والإقليمية حولها. نجح الأتراك سابقاً في اللعب على التناقضات. يبدو راهناً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام استحقاق صعب في مرحلة ضغوط سياسية واقتصادية داخلية، وأزمة جدّية مع أميركا أحد عناصرها تملص أنقرة من التعهدات التي قطعتها في القمة الأميركية – الإسلامية في الرياض العام الماضي حيال السير في خطة محاصرة إيران.

على تركيا، من وجهة نظر المحور الإيراني – السوري، أن تقرن التزاماتها السياسية في أستانة بفعالية ميدانية، غير أن ثمة تساؤلات عن قدرتها على تجسيد تلك التزامات على أرض الواقع. وهي أبلغت المعارضة السورية، التي تدور في فلكها، أن الفشل في مهمتها سيؤول بها إلى ترك مصير إدلب بيد روسيا. الإيفاء بالالتزامات يعني عملياً أن أنقرة اتخذت منحى جديداً في الأزمة السورية، وفي اتجاه تكريس الذهاب إلى الأبعد على المستوى الاستراتيجي.

وإذا كانت دمشق وطهران تُدرجان معركة إدلب في سياق استراتيجية استعادة النظام السوري لسيطرته على البلاد، فإن قراءة مُقابِلة لمنظري السياسة الأميركية ترى أن إيران، في خضم المواجهة المفتوحة مع أميركا وحلفائها، ستعمل على تحريك ما تملك من أوراق، وإدلب واحدة منها، من زاوية الضغط بورقة «المقاتلين» والهجرة، فيما تلعب موسكو على وتر تحسين أوراقها بالتماهي مع اندفاعة إيران، في وقت كانت مقتضيات الأمن الدولي تقتضي التوصل إلى حلول مشتركة لتجنب محاذير النزوح من إدلب، والتخلص من عبء المقاتلين وخطرهم بأقل الأثمان.

لكن  الحشود الأميركية والروسية في المنطقة، لا يمكن في القراءة الأميركية حصرها بمعركة إدلب، والتحذير من عواقب استخدام النظام وحلفائه لأسلحة كيماوية، بل إن الأمر يتعدى ذلك. التعزيزات الأميركية في خلفيتها ليست ضد سوريا بل ضد إيران، وتصب في استراتيجية ترامب تضييق الخناق على طهران لضرب نفوذها في المنطقة بشكل كليّ. وهدف التعزيزات هو التحضير للرد على أي خطوة أو خطوات عسكرية قد تلجأ إليها إيران أو أذرعها العسكرية بعد الرابع من تشرين الثاني موعد بدء الحد الأقصى من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، والتي تتمثل بوقف تصدير النفط الإيراني. فالتهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز  – إذا مُنعت من تصدير النفط – قابلها تأكيد جازم بأن القوات الأميركية وحلفاءها الإقليميين سيضمنون  حركة الملاحة أينما يسمح القانون الدولي بذلك.

لا يقلق المراقبون المحسوبون على المحور السوري – الإيراني من الكلام عن ضربة لسوريا على خلفية استخدام أسلحة كيماوية، فالضربات لا تغيّر في مجرى المعارك بشكل استراتيجي، لكنهم يخشون أن يكون هدف الحشد الأميركي استهداف القواعد الإيرانية في سوريا. فإذا حصل ذلك، فإنه يشكل معطى دراماتيكياً خطيراً، ولا يمكن لإيران أن تتجاهل الرد، كما كانت تفعل في مرات سابقة، خصوصاً أنها تمر في مرحلة مفصلية كبرى. وهذا بالتالي يمكن أن يجر المنطقة برمتها إلى مواجهة كبرى، وإن كان ما يشبه اليقين لديهم من أن الظروف غير ناضجة  لمثل هذه المواجهة الكبرى. لكنهم في المقابل يعتبرون أن الشكل الذي اتخذته زيارة وزير الدفاع الإيراني إلى سوريا أمير حاتمي، والإعلان عن بقاء المستشارين الإيرانيين في سوريا من ضمن اتفاق دفاعي كان هدفه إرسال رسالة للحلفاء والخصوم عن حجم التلاحم السوري – الإيراني مع الشعور بإمكان حصول «انعطافة حادة»!

الأسابيع الفاصلة عن موعد الرابع من تشرين الثاني ستكون أسابيع قابلة للالتهاب. معركة إدلب في حكم الأمر الواقع، لكنها لن تكون معركة سهلة إذا لم يكن هناك اتفاق على ما قد تحمله من تداعيات على مستوى الأمن العالمي. أوروبا معنية بدرجة كبرى، لكنها في نهاية المطاف، ومهما سعت إلى التمايز عن الموقف الأميركي، فإنها غير قادرة على مقارعته. التساؤل وفق المنظرين لسياسة ترامب يدور حول روسيا وما إذا كانت عند لحظة الفصل ستكمل في مسارها مع إيران وتركيا. فقمة هلسنكي في نهاية المطاف تناولت قضايا استراتيجية كبرى، في مقدمها مسألة الإرهاب الدولي، ومهدت لتعاون استراتيجي يريده الرئيس الأميركي مع نظيره الروسي على قاعدة الشراكة بين قوتين عظميين إنما بالاستناد إلى حجم وقوّة ونفوذ كل منهما. وإذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يُحسّن أوراقه ويُحصّنها في معركة إدلب، وفي التعامل مع تداعيات العقوبات الاقتصادية على بلاده وعلى إيران أيضاً، وفي محاصرته في حدائقه الخلفية، فذلك لا بد من أن يكون بهدف استخدام تلك الأوراق وتسييلها عندما يحين الوقت. والوقت بالنسبة للرئيس الأميركي بات قريباً!.