IMLebanon

عن ثلثاء الغضب… «لو كان برّي يعلم»

 

أيقن النواب أمس أنّ الشرعية تنبثق من الشعب بالفعل وليس بالتغني، فعندما أعلن الشعب الذي فوّضهم أنّه لا يريدهم، عاقبوه ورفضوا قراره وأطلقوا النار عليه، فاتخذ الشعب قراره وأسقط الشرعية عنهم، وأعلن من مجلس «الشعب» استرداد «الوكالة». هذا ما فعله أمس الشعب اللبناني الذي توافد من كل المناطق اللبنانية، من بيروت والجبل والبقاع وطرابلس، فأحكم قبضته على مداخل مجلس النواب في خطة محكمة ولم يتمكن سوى» المتسللين» من الوصول الى المجلس، لكن هؤلاء سقطوا عمليّاً من أعين ناخبيهم، عندما تلمّس الناخبون خوف النواب من المرور أمامهم، ليجاهر أحد الثوار بالقول: «حين يخاف النائب من المرور أمام ناخبيه فهو نائب ساقط حكماً».

في محيط ساحة النجمة فقدت السلطة الشرعية الاخلاقية والشعبية والسياسية عندما اطلقت النار في مشهد ميليشيوي على من تمثلهم في مجلس النواب. وكانت السلطة التشريعية أصلاً قد فقدت سلطتها ووكالتها عندما أجبرت مليون ثائر على النزول الى الشارع للاستيطان فيه منذ أكثر من 30 يوماً.

 

واللافت في محيط مجلس النواب، إعلان المنتفضين أنّ عتبهم تضاعف على ممثليهم. فيما تساءل البعض منهم عن موقف رئيس مجلس النواب، لو كان يعلم أنّ «الناخبين» سيُطلق عليهم الرصاص على مقربة من «مجلس الشعب»، هل كان يصرّ على عقد تلك الجلسة التشريعية الدقيقة في ظروف لم تتبدّل فيها المعطيات ولا الاسباب الموجبة التي دعته الى إرجائها منذ اسبوع؟

 

ولو كان يعلم ان الذين وعدوه بأنهم سيحضرون الجلسة سيتخلفون، هل كان ليدعو اليها؟

 

وكان المنتفضون عمدوا منذ أمس الاول الى نصب خيمهم في محيط مجلس النواب، ولاقاهم المئات في الصباح الباكر لمنع النواب من الوصول الى ساحة النجمة، وقد قَدموا من كل المناطق اللبنانية من الجبل وطرابلس والبقاع وبيروت، ولوحظ أنّ منتفضي الجبل بمئاتهم أبكروا في المجيء خوفاً من تمكّن النواب من الوصول قبلهم الى ساحة النجمة.

 

وحين سُئل أحدهم: ماذا لو سبقوكم؟ علّق «حسناً نسمح لهم بالخروج»…وأعلنوا رفضهم التشريع، متسائلين اذا كان المجلس نفسه الذي شرّع في السابق مئات القوانين عمد الى تطبيقها يوماً، ومؤكّدين انّ اللبنانيين اليوم لا يريدون قوانين جديدة، بل يريدون تطبيق القوانين القديمة بالرغم من أنّها بالية، وهي بمجملها تحتاج الى تحديث، وبخاصة تلك التي تُعنى بمطالب الشعب.

 

وكانت لافتة أمس الباصات الآتية من طرابلس وقد تخطّت العشرين، فيما شاهدنا أحد الركاب يعطي سائق احداها رزمة من آلاف الليرات اللبنانية، وحين استوضحناه قال لـ«الجمهورية»، إنه جمع الف ليرة من كل راكب ليدفع «أجرة التوصيلة».

 

اما بديع القادم من الجبل فعلّق على مشهدية تسلّل النواب خلسة، بالقول: «النواب عادة «يفشخون» على الشعب بنمرة زرقاء! أصبحوا الآن يخبئونها»، مضيفاً: «كم هو مذلّ منظر دخولهم متسللين امام اعين ناخبيهم، وكم كانت مضحكة طريقة دخول البعض منهم على الدراجات، أو خلسةً عبر آليات الصليب الاحمر والآليات العسكرية».

 

واللافت أيضاً في مشهدية «ثلثاء الغضب» إصرار العنصر النسائي على المواجهة في الصفوف الامامية، حتى أنّ بعضهن نصبن الخيم منذ الليل «للتخطيط قبل ساعة الصفر»، وفق قول نبيلة إنّها «لو كانت تعلم أنّ النواب سيتجرأون لإطلاق الرصاص علينا لكنّا بدّلنا الخطة»، وتساءلت: «لو كان رئيس المجلس يعلم انّه سيتم اطلاق النار علينا، هل كان سيعمد للدعوة الى عقد جلسة تشريعية؟ وهل سيفعلها مرة جديدة»؟

 

إطلاق النار يؤجّج الشارع

 

لم تتمكّن القوى الأمنية، التي أحكمت إقفال مداخل مجلس النواب بالأسلاك الشائكة بشكل تام وبالدروع البشرية لعناصر قوى الأمن في محيط جريدة «النهار» و«بنك عوده» وحول اللعازارية من التصدّي لمطلقي الرصاص الذين ما زالوا مجهولين رسميّاً، فيما هم مكشوفون شعبياً، في وقت لاقى المنتفضون القوى الأمنية في خطتهم، فأحكموا قبضتهم على ما تبقّى من مسارب قد توصل النواب الى المجلس، مستغربين كيف تمكّن النواب الـ5 من «الإفلات منهم والإختباء في المجلس»، في وقت عدل عن الحضور أكثرية النواب حين وصلهم ما حلّ «بالزملاء» الذين عادوا أدراجهم، ومنهم النائب جورج عطالله الذي لم يستطع بلوغ المجلس وعاد أدراجه، بعدما أحكم المتظاهرون اغلاق المداخل المؤدية الى ساحة النجمة.

 

شوهد من النواب الذين تمكنوا من العبور علي حسن خليل، وأنور الخليل وعلي عمار ومحمد خواجة ومحمد نصرالله.

 

في محيط المجلس تداول المنتفضون مواقف الكتل النيابية من انعقاد الجلسة، وتحديداً موقف رئيس المجلس، الذي رأى البعض أنّه رفض التنازل لإلغاء انعقاد الجلسة للمرة الثانية، إلّا أنّه كان يعلم مسبقاً أنّها قد تفقد نصابها فتُلغى تلقائياً، وهذا ما فضّله على ان يعلن الغاءها مسبقاً بنفسه.

 

كذلك تداول البعض موقف تيار «المستقبل» المتقدّم، الذي أعلن مشاركته في الجلسة الاولى بعد دعوة الرئيس بري، خصوصاً انّه من الداعين الى إقرار قانون العفو العام، لكن كتلة «المستقبل» عدلت عن قرارها، تحديداً بعد حادثة إطلاق النار، فقرّرت عدم المشاركة بعدما تلمّست «المقاومة الشعبية» في محيط المجلس.

 

واوضحت النائبة رولا الطبش موقف «المستقبل» بالقول: «صحيح انّ التيار يهمّه اقرار قانون العفو العام انما ليس في الصيغة التي كانت مطروحة، والتي وصل فيها المشروع الى الهيئة العامة، لأنّه في حاجة الى بعض التعديلات، ولا يمكن بتّه كما هو .إنّ اقرار القانون في المرحلة الحالية ليس مناسباً في ظلّ هذه الاجواء من الثورة، ولأنّه لا يشكّل ضرورة ملحة، وهو ليس اولوية بالنسبة لـ«التيار»، إذ ليس من المفروض اليوم ان تكون هناك جلسات تشريعية، بل استشارات نيابية لتأليف الحكومة»…موضحة أنّ «الظروف اليوم تحتم مساراً آخر، والمفروض الاستماع الى الناس ومطالبهم».

 

أما عن موقفها الشخصي فتقول: «انّها لن تشارك بعد اليوم في جلسات تشريعية، لأنّها ليست اولوية»، فيما تترك الخيار النهائي لتيار «المستقبل» الذي يشاطرها التوجّه نفسه.

 

وعن حادثة اطلاق النار قالت: «انّه امر غير مقبول اطلاقاً ولا يمكن تبريره مهما كانت الظروف، إنّ الحادثة لا يمكن ان تمرّ مرور الكرام. مطالبةً بمحاسبة المسؤول عنها، لأنّ السلطة لا يمكنها بعد اليوم المكابرة والقول للشعب إنّها غير خاضعة للمحاكمة والمحاسبة، خصوصاً انّ السلاح يجب ان يكون محصوراً للدفاع عن لبنان في وجه الاعتداءات الاسرائيلية وليس ضد الشعب وضد المواطنين الذين يطالبون فقط بلقمة عيشهم».

 

واللافت أيضاً في مشهد الثلثاء الغاضب عودة العسكريين المتقاعدين الى الارض بعد غياب. وحين سألناهم عن السبب، اعترض العميد جورج نادر على السؤال، معتبراً أنّها «تهمة لفقّها ازلام السلطة التي تبث الاشاعات»، موضحاً أنّ حراك العسكريين المتقاعدين كان وما زال منذ اليوم الاول للثورة ولم يتراجع وهو مستمر حتى النهاية»، كاشفاً «انّ السلطة المفلسة تفبرك الاشاعات بعد ان أيقنت أنّ حراك العسكريين كان مكوّناً فاعلا في الثورة».

 

وعن حادثة اطلاق النار قال: «إن الثورة اطاحتهم وعطّلت مجلس النواب مرتين، ولا عجب إذا انكروا اليوم مسؤوليتهم عن اطلاق النار طالما انّهم أنكروا الثورة التي انتصرت على الاحزاب في نقابة المحامين من أساسها، فيما هم ما زالوا يعيشون حتى اليوم حالة الانكار».

 

في المشهدية العامة، حاولت السلطة في الزمن غير الصحيح رشوة الغرائز المذهبية بقانون عفو ملتبس، فيما تواجه الجلسة أساساً جدلاً قانونياً حول دستوريتها.

 

وفي وقت أخرجت السلطة من جيبها «أرنب الثورة» أي قانون العفو ربما لتمرير قوانين اخرى تفيد مصالحها، فيما يحق للمتظاهرين التساؤل، «اذا كان الأمر غير ذلك فلماذا لم يدعُ رئيس مجلس النواب الى جلسة لانتخاب هيئة مجلس النواب وانتخاب أعضاء اللجان فقط، لو لم يكن في الامر قطبة مخفية»؟