يخشى السياسيون في لبنان من خسارة أموال «سيدر» التي وُعدوا بها منذ العام الماضي والتي يعتبرونها بمثابة «مفتاح الفرج» الذي سيجعلهم يتجاوزون الأزمة المالية والمعيشية والإجتماعية الخانقة التي يمرّ بها البلد حالياً، سيما وأنّه ليس هناك أي إتفاقية مكتوبة حتى الساعة بينه وبين الدول المانحة. غير أنّ مصادر سياسية مطّلعة أكّدت بأنّ هذه القروض والمساعدات من شأنها زيادة ديون لبنان وقد لا تُساهم، على ما يؤمل منها، في سدّ العجز والدين العام وتنمية الإقتصاد.
وفي الوقت الذي تنهمك فيه حكومة «الى العمل» بدراسة موازنة العام 2020 عبر جلساتها المتتالية وذلك لإنهائها في موعدها الدستوري في 15 تشرين الأول المقبل، تجد بأنّ الإصلاحات المطروحة فيها لن تؤدّي الى خفض العجز الى «صفر»، وقد لا يتحقّق هذا الأمر إلاّ بعد سنوات عدّة وبعد تحقيق نسبة معيّنة من النمو والتي هي صفر اليوم، فضلاً عن وجود مشكلات قائمة بحدّ ذاتها مثل الكهرباء والواردات، وخدمة الدين العام التي ستزيد عن العام الحالي بقيمة 1232 مليار دولار وغير ذلك… ما يعني بأنّ ما لمسه الموفد الفرنسي الخاص ببرنامج «سيدر» بيار دوكان خلال زيارته الأخيرة الى بيروت بأن «لا جدية لدى المسؤولين اللبنانيين لتنفيذ الإصلاحات»، صحيح، ولهذا فمن الصعب البدء بالمشاريع من أموال «سيدر».
ولكن إذا كان الرهان للخروج من الأزمة الإقتصادية الخطيرة هو التعويل على أموال «سيدر» فقط، فتبشّر المصادر نفسها بأنّ البلد لن يتخطّاها حتى ولو حصل على هذه الأخيرة. فطالما أنّ الموازنة لا تكافح الهدر والفساد، والمعابر الشرعية وغير الشرعية غير منضبطة بشكل كامل ويتمّ عبرها التهريب بهدف التهرّب من دفع الضرائب الجمركية التي من شأنها أن تُغّذي خزينة الدولة، وطالما أنّ الحلول المقترحة من قبل الوزراء لا تتعدّى إطار زيادة الضرائب على الموظّفين أو الإقتطاع من رواتبهم، من دون المسّ بكلّ ما له علاقة بالأملاك البحرية أو بجيوب المسؤولين، فإنّ الموازنة ستبقى «صفر» نمو، رغم كلّ الوعود التي تُعطى للدول المانحة لقاء الحصول على القروض.
وذكّرت بأنّ أموال «باريس 1» (2001) التي بلغت قيمتها 500 مليون أورو على شكل مساعدات أوليّة وقروض ميّسرة، وأموال «باريس 2» (2002) التي وصلت الى 3.9 مليار دولار من تسهيلات مالية وقروض، ومن ثمّ أموال «باريس 3» (2007) التي بلغت قيمتها نحو 7.6 مليار دولار بين تعهّدات للقطاع الخاص وللحكومة، لم تؤدّ بمجملها إلى تنفيذ سلسلة الإصلاحات التي وعدت الحكومة المتعاقبة بتنفيذها، ولم تحمل بالتالي عصا سحرية لحلّ المشاكل المالية في البلاد. ووصلنا في العام الماضي (2018) الى مؤتمر «سيدر» الذي وعد بقروض وهبات بقيمة 10.2 مليار دولار مقابل تنفيذ الإصلاحات التي لم يتحقّق منها أي شيء يُرضي الدول المانحة ويُطمئنها حتى الآن.
ولهذا، فإنّ الحلول الأسرع، بحسب رأي المصادر نفسها، خصوصاً وأن لا نيّة واضحة لدى المسؤولين بزيادة أموال الخزينة إلاّ من الشعب، فهو تنظيم مؤتمرات إستثمارية حول لبنان، كالمؤتمر الذي ستعقده الإمارات العربية يومي 6 و7 تشرين الأول المقبل في أبو ظبي، ويُشارك فيه رئيس الحكومة سعد الحريري وعدد من رجال الأعمال اللبنانيين، بهدف الإستثمار في لبنان وضخّ بعض الأموال فيه. علّ إقامة مثل هذه المؤتمرات تُنقذ لبنان في الفترة المقبلة، سيما وأنّ أموال «سيدر» إذا لم تتمكّن الحكومة من ردّها في موعدها، فإنّ فوائد الديون ستتراكم أكثر فأكثر.
وتقول بأنّه إذا كانت فرنسا لا تزال رغم كلّ شيء تعلّق أهمية كبيرة على قدرة لبنان في النهوض من كبوته الإقتصادية، والقيام بالإصلاحات المطلوبة لحصوله على مساعدات وقروض «سيدر»، بهدف تنشيط إقتصاده وتخفيض الدين العام، رغم أنّ المعلومات تشي بأنّ «أموال سيدر في خطر»، فإنّ الشركات الفرنسية التي أبدت اهتمامها بالإستثمار في لبنان مدعوّة للمشاركة في المؤتمرات التي تُعقد لدعم لبنان، والتحرّك سريعاً من أجل تحريك الوضع الإقتصادي «الجامد» في البلد.