تسعوية غيابك الحاضر، تسعة أعوام على فجيعة كانون الأول ٢٠٠٥. نعرف ان الفارس لم يترجل، ونعرف انه يقطن الدار وأهل الدار، ونعرف انه يسكن الوطن ومن يحب الوطن، ونعرف ان صدى قسمه للبنان يتردد فجر كل نهار، مع صياح “ديك” الوطن، وما أقلّ الديوك في لبنان اليوم.
نعرف انك لم تعد تنزل كثيراً الى ساحة الحرية، تكتفي بأن تنظر اليها، تتأملها من مكتبك في “النهار” ومن سماء النهار، بزفرة وبحسرة، مذ غادرت مع الشهداء حيث لم يبقَ فيها من شيء حي سوى صدى قسمك بالله للبنان العظيم، لبنان الذي جعلوه بلا قلب ولا عقل فيكاد لا يسمع ولا يقشع، ونعرف ان وجعك عليه وعلينا كبير.
نعرف انك لم تمت ولن تموت، وان “النهار” مستمرة كاستمرار طلوع الضوء، لكننا نخاف، لبؤس ما صار عليه لبنان، ان تنصرف عنا كلياً الى تهيئة ذلك المكان في “وليمة العرس”، الذي تحدث عنه سيدنا المطران جورج خضر في الكنيسة، التي زففناك إليها مرتين عريساً ثم شهيداً لا يموت.
ونعرف يا غابي ان دعوة والدك استاذنا غسان في ذلك اليوم الحزين، لا تزال تهيم على وجهها في متاهة الوطن وفي إشلاء لبنان المشظّى، وان الفريسيين لم يسمعوا ولن يلبّوا: “أدعو اللبنانيين جميعاً، مسيحيين ومسلمين، الى أن يكونوا واحداً في خدمة لبنان الوطن العظيم وفي خدمة قضيته العربية”، دعوة تهيم على وجهها فلا تجد سوى قسمك الصارخ في الأمكنة ولا من يسمع.
وفي تسعوية غيابك الحاضر، نعرف يا غابي أن شيئاً منك ومن جوهر شهادتك يصرخ الآن مدوياً مع شهادات جنود الوطن المخطوفين ولبنان المخطوف، مع جروح أمهاتهم وابنائهم، ونعرف ان وجعك اعمق من وجعنا لأنك لا ترى فيهم جنوداً في ايدي الخاطفين، بل وطناً يتيماً لطيماً بمعظم مسؤوليه ومعظم سياسييه ومعظم أحزابه ومعظم قادته، وطناً مخطوفاً ومذلولاً في الجرود وقادته في الحِسبة وسوق الأوقية السياسية.
ولقد عشنا وشفنا… ليتنا لم نعش ولم نقشع أين وكيف صار لبنان العظيم… بقية من جبنة وما أكثر القطط!
ولكننا نعرف ان فيك الكثير من الشهيد الحي خالك مروان حماده، الذي لا بد من انك وكوكبة الشهداء تتحلقون وتستمعون هذه الايام الى شهادته امام المحكمة الدولية في لاهاي، وهو يسرد للعدالة والتاريخ ومن أجل ان يبقى لبنان القَسَم والوطن، يسرد تفاصيل الظروف التي سبقت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما استتبعها من عمليات القتل.
لو تنزل الى لبنان العظيم وقد جعلوه بلا رأس وبلا عقل، الى ان يصير القسم وصية لأمناء.