أقفل باب الترشيحات الى الانتخابات التشريعية اللبنانية ليل الثلاثاء – الأربعاء بتقديم 514 مرشحاً أوراقهم في وزارة الداخلية، من بينهم الأكثرية الساحقة من النواب الحاليين.
التزمت الحكومة بالمهلة الدستورية، بعد التمديد الأخير الذي خص المجلس نفسه به قبل عام ونيف، وأعلنت ان الانتخابات ستجري في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وشدد رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يترأس ايضاً كتلة «التنمية والتحرير» الكبيرة على انه جاد في المضي في الدعوة الى الانتخابات وفي رفض التمديد مرة ثانية.
وفي حال تمكن اللبنانيون من الوصول سالمين الى صناديق الاقتراع، فسيدلون بأصواتهم وفق قانون الأقضية المعدل المعروف بـ «قانون الستين» بعدما تعذر على مدى أعوام عدة اقرار قانون جديد اقل حدة في تظهير الانقسام الطائفي وأقرب الى معنى «الدولة» الحديثة. عليه، يجوز توقع تغييرات محدودة في صورة التمثيل الطائفي- السياسي الحالية.
والأغلب ان التغييرات تلك ستنحصر في جهتين: الاولى، هي جهة التمثيل المسيحي حيث يقال ان «التيار الوطني الحر» بقيادة ميشال عون قد استعاد ما كان قد خسره من شعبية في الاعوام القليلة الماضية بفضل حملات التخويف من «داعش» التي أطلقها مع حلفائه. وقد ينجح في انتزاع بعض المقاعد المسيحية من خصومه الألداء في «القوات اللبنانية».
الجهة الثانية، هي التمثيل السني. الصورة هنا أكثر تعقيداً. فالفشل الكامل لقوى «14 آذار» منذ فوزها في انتخابات 2009، في تحقيق أي انجاز سياسي تكون له انعكاسات على القاعدة الشعبية، (اللهم إلا اذا استثنينا تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام التي اعتبر قسم من السنّة انها جاءت نتيجة مقايضة «14 آذار» للمناصب التي حصلت عليها بغض نظرٍ عن بقاء قوات «حزب الله» في سورية)، قابله احتلال ممثلي الاسلام الجهادي مواقع متقدمة بين الفئات الافقر والأكثر تهميشاً بين السنّة خصوصاً في الارياف وأحزمة البؤس في طرابلس وغيرها. صحيح ان التيار الاسلامي المتشدد غير المنظم في اطار سياسي وتعبوي واضح، لن يتمكن من ازاحة «تيار المستقبل» وحلفائه من المشهد اذا جرت الانتخابات اليوم، لكن الصحيح أكثر ان «المستقبل» و «14 آذار» لم يعد لديهما ما يقولانه لهذا الجمهور غير استعادة ذكريات يريدها «المستقبل» مشرقة فيما لا يرى الجمهور فيها غير علامات من ماضٍ مضى.
تدور كل هذه التكهنات حول افتراض اجراء الانتخابات، وهو افتراض تعترضه عقبات كثيرة. فعديد من الجهات ما زالت تصر على انتخاب رئيس للجمهورية قبل مجلس نيابي الجديد وتعترض جماعات أخرى على ثغرات قانونية في تطبيق القرارات الحكومية.
بيد أن العقبة الأهم تبقى مناخ التعبئة الطائفية التي لم يعرف لبنان مثيلاً لها منذ تأسيسه، وما يرافقه من خطر اندلاع مواجهات دموية ايام الاقتراع. ويجري ذلك في بلد خشت أكثر مؤسساته من الدعوة الى حفلات افطارها السنوية في رمضان الماضي بسبب الانفلات الامني، وعجزت حكومته عن تنظيم امتحانات الشهادات التعليمية الرسمية ولا يزال العشرات من جنودها اسرى عند «داعش» و»النصرة» اللتين تهددان بقتلهم، وفي بلد تتدهور خدماته ويتراجع فيه الاداء الاقتصادي والاداري الى حدود الكارثة المعممة.
وفوق ذلك كله، يأتي السؤال البسيط: ما الغاية من اجراء الانتخابات اذا كانت الطوائف ستجدد امساكها بخناق الدولة والمجتمع واذا كان الناخب سيرى الوجوه والممارسات و(اللا)سياسات ذاتها في المجلس المقبل؟