IMLebanon

إذا طُوِي «الوجهُ السعودي» للإستقالة… فماذا عن «اللبناني»؟

 

بمعزل عن «الوجه السعودي» من الأزمة، هناك وجهٌ لبنانيٌّ أشارت إليه إستقالةُ الرئيس سعد الحريري ستلقي عودةُ الأخير المرتقبة من الرياض الضوءَ عليه، ما يفرض السعي الى إحياءِ «تسويةٍ ما» تعيد التوازنَ الداخلي وهو ما يلقي المسؤولية على الطرف الآخر للخروج من النفق. فهل سينجح رئيسُ الجمهورية العماد ميشال عون في قيادةِ المرحلة؟ وما الذي سيواجهُه؟

قبل أن يعودَ الحريري الى بيروت يمكن الحديث عن عشرات من السيناريوهات المتوقّعة. وتأسيساً على حجم النقص في المعطيات المتوافرة عمّا جرى معه والظروف التي رافقت زيارته الأخيرة الى الرياض، وتحديداً بما يتصل باستقالته في شكلها وتوقيتها ومضمونها، بالإضافة الى تزامنها مع ما جرى في المملكة من متغيّرات.

وعليه، فقد توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية امام القراءة اللبنانية الموحّدة تجاه ما حصل في عناوينها العريضة قبل الدخول في كثير من التفاصيل التي يختلف حولها اللبنانيون الى حدود الفرز العمودي في ما بينهم من دون العودة الى المعادلة السلبية التي حكمت البلد منذ 2005 الى اليوم بين 8 و14 آذار بفعل المقاومة التي يبديها أطرافُ التسوية السياسية التي عُقدت قبل عام تقريباً وأدّت الى تشكيل فريق السلطة الذي يواجه ألغاماً تهدّده من الداخل قبل أن تنفجرَ من الخارج.

ولكن متى طُوي الوجهُ الدولي والإقليمي لأزمة الإستقالة لا بدّ من العودة الى الوجه اللبناني منها والذي كان مخفيّاً أو مضبوطاً تحت شعارات وسقوف الوحدة الوطنية ومنع الفتنة المذهبية في لبنان الى أن أيقظته الإستقالة بمقاربةٍ أحيت ما كان مدفوناً في النفوس على رغم التحذيرات التي صدرت من مواقع مختلفة منعاً لبلوغ المجهول الذي تحوّل أمراً واقعاً.

على أنّ كلّ القراءات لما حصل أجمعت على وصف ما شهدته البلاد منذ يوم السبت الماضي بأنه سابقة إستثنائية ينبغي مواجهتها بوسائل وآليات استثنائية بكل المعايير يجرى البحث عنها في المشاورات التي يجريها رئيسُ الجمهورية ومعه أركانُ الدولة تزامناً مع ما تشهده دارُ الفتوى من لقاءاتٍ لتقويم الموقف والبحث عن المخارج الممكنة، عدا عن التحرّك الخارجي العربي والغربي الذي قاده رئيسُ الجمهورية في الوقت عينه.

ولذلك فإنّ ألف باء أيّ سيناريو متوقّع لن يكون سهلاً الإشارة اليه قبل عودة الحريري الى بيروت لإستيضاح الصورة والبناء على ما هو مخفيّ حتى اليوم من معطيات. ذلك أنّ ما هو متوقع لا يُنظر اليه بعيون إيجابية لأنّ المطلوب تنازلات صعبة تلمّستها المشاورات التي تناولت سلسلةً من المخارج المطروحة في الكواليس السياسية والحكومية.

ومنطلق هذه القراءة السلبية مبنيٌّ على أنّ ما أشارت اليه رسالة الإستقالة في مضمونها الداخلي أحيت ما كان يُتداول به لدى المعارضة السنّية التي رفعت الصوتَ أخيراً في وجه الحريري بأشكال متعدّدة وبوسائل مباشرة وغير مباشرة. وهي فرضت حواراً داخلياً من ضمن فريق رئيس الحكومة الذي انصرف الى مناقشة المخاطر التي تواجهها ساحتُه السنّية وصولاً الى حجم انعكاساتها على التسوية الداخلية مع الفريق الآخر.

وزاد في الطين بلة عندما وجد فريقُ رئيس الحكومة نفسَه في مواجهةٍ مع أطراف التسوية الداخلية على وقع الحراك الذي قاده حلفاؤه الجدد في اتّجاه النظام السوري وزيارات عدد من الوزراء لدمشق سعياً الى فتح خطوط التواصل مع النظام، وبلغت الذروةُ في اللقاء بين وزيرَي خارجية لبنان وسوريا في الأمم المتحدة، ما أوحى له أنّ التوازنَ الداخلي الذي أرسته التسوية الأخيرة بات في خطر وأنّ جزءاً من لبنان الرسمي قد إنخرط بعيداً في المحور السوري ـ الإيراني وفي الهجمة على الممكلة العربية السعودية ورموزها.

وفي رأي مراقبين أنّ الحريري بات «بين شاقوفين» لا يرحمه أيٌّ منهما. فعلى وقع المعارضة السنّية من الداخل على أبواب الإنتخابات النيابية المقبلة فرضت عليه مواجهة أخرى في البيت الحكومي وعلى كل الساحات.

ويعترف هؤلاء أنّ الحريري وأعضاء فريقه أخطأوا في تقدير ردّة الفعل السعودية في الفترة الأخيرة واعتقدوا أنّ في إمكانهم ابقاء الملف اللبناني في منأى عن الإهتزازات الخارجية الى أن اكتشفوا في الأيام القليلة الماضية التي سبقت الإستقالة أنّ ما يقومون به لا يجنّبهم المخاطر التي يمكن أن تواجههم، الى أن انفجرت الأزمتان السعودية واللبنانية معاً في وجههم نتيجة ما بلغه النزاع الإيراني ـ السعودي من توتّر، فشكل «التسونامي» الحاصل على الساحتين اللبنانية والسعودية.

وبناءً على ما تقدّم يُجمع معظم المراقبين على أنّ ما هو مطروح من سيناريوهات لإعادة الحريري الى السراي الحكومي بات من الماضي، وأنّ البحث عن حكومة حيادية أو عسكرية يقارب البحث عن إبرة في أكوام من القش.

وأنّ الأزمة حاصلةٌ إلّا في حال واحدة تكمن في قدرة رئيس الجمهورية على جمع مزيد من الضمانات لإستعادة التوزان الداخلي وهو أمر مطلوب من حزب الله وحلفاء سوريا في لبنان وقد يكون أصعب ممّا هو متوقع لأنّ ذلك ما زال رهناً بما بلغه الشعور المفرط بالقوة لدى إيران وحلفائها في لبنان والمنطقة والذي ألقى بظلاله على الساحة اللبنانية التي كانت حتى الأمس القريب في منأى عن هذا النزاع واشكاله.

ويُجمع هؤلاء المراقبون على أنّ طيَّ الوجه اللبناني لإستقالة الحريري سيكون أصعب بكثير من الوجه السعودي. ذلك أنّ الكرة ستكون قريباً في ملعب رئيس الجمهورية وحلفاء سوريا في لبنان، فهل من الممكن أن يسلّفوا رئيس الجمهورية موقفاً من الأزمة السورية يقود الى تحييد لبنان مجدداً عن النزاع الإقليمي والدولي وعن مجريات النزاع الإيراني ـ السعودي في وقت يعتبر البعض أنّ مثل هذه التوقّعات تلامس الأحلامَ السياسية؟.