استمعت، مثل الكثيرين، الى الكلام الذي أدلى به وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أمام حشد من أعضاء جمعية متخرجي المقاصد الإسلامية في بيروت لكثرة ما تضمن من الـ«فلاشات» شديدة البريق واللمعان. فمنذ البداية أشار الى أنه «لا يمكن الإستمرار في سياسة الصدمة والإلزام والإرغام»، مؤكداً العلاقة مع رئيس الجمهورية القائمة على «الصراحة والوضوح المتبادلين»، محذراً من أن سياسة النأي بالنفس التي كانت أحد بنود التسوية الرئاسية قد «تعرّضت لضربات في الفترة الأخيرة»… وفي الفساد: «لا أقول إننا دولة قدّيسين، لكنّ الكلام حول الفساد أكبر من الوقائع وفيه نسبة كبيرة من الظلم» (…)
وهذا كلام مهم، واصل، حامل رسائل عديدة الى شركاء التسوية الرئاسية (قد ميّز بين مواقف رئاسة الجمهورية وسياسة وزارة الخارجية)، والى المزايدين من «أهل البيت» الحاليين والسابقين على تيار المستقبل وعلى الرئيس سعد الحريري وعليه شخصياً، جازماً: «صحيح أننا لسنا في أحسن الظروف لكننا لم نتنازل عن أي من الثوابت وأي من المواقف المبدئية. وبالتالي لا يجوز تعميم الإحباط والإحساس بعدم القدرة».
وهذا الكلام هو رسالة مباشرة في إتجاه المزايدين، قناصي أي سلبية أو ما يتوهمون أنه سلبية لاستثارة البعض ضدّ الرئيس الحريري وتياره. وقد لفتني حديث الإحباط فاستحضرت مرحلة ما بعد نفي «الجنرال» وسجن «الحكيم» عندما هيمن الإحباط على المسيحيين الى درجة خروجهم من الدولة وكان ذلك بداية إنهيار دورهم الذي تلقى على الأثر الضربة القاضية بإقرار إتفاق الطائف وتفسيره وتطبيقه (أو لا تطبيقه) وفق مزاج الوصاية السورية بداية مع غازي كنعان ولاحقاً مع رستم غزالي ومن خلال الحكم «المركّب» في الداخل تحقيقاً لضرب دور المسيحيين. وحسناً فعل الوزير نهاد المشنوق بإصراره على أنه «لا يجوز تعميم الإحباط والإحساس بعدم القدرة»، وقد أعطى (بصورة غير مباشرة) دلائل القدرة من حيث الخدمات التي نُفِّذت والتي ستنفذ، وهي وازنة في أي حال.
إلا أن أخطر رسالة وجهها الوزير نهاد المشنوق كانت تلويحه بخطوات قد تكون قريبة… موحياً بأنه إذا ظن أي طرف أو جهة أنه قادر على الإستمرار في «سياسة الصدمة والإلزام والإرغام»، فرد الفعل سيكون بمستوى الصدمة وسيكون قريباً.
كنّا في أحد المجالس نستمع الى كلام نهاد المشنوق عندما بادر الجميع، في شبه صوت واحد: الهيئة في إتجاه لاستقالة الحكومة. وقيل في ذلك المجلس إنه لن يكون أمام الرئيس سعد الحريري سوى تقديم استقالته إذا استمر بعض إركان العهد يتجاهلون ليس فقط مفاعيل التسوية الرئاسية، بل كذلك إذا تجاهلوا ما يترتب على تصرفهم من مضار تلحق بالحريري وتياره وأركانه، وسترتد ضرراً مباشراً على العهد من دون أدنى شك.
وفي التقدير أنه بات مطلوباً بإلحاح من الوزير جبران باسيل (الذي لا يُنكر عليه أحد حقه في ممارسة اللعبة السياسية كيفما يتهيأ له تحت سقف التوافق والبيان الوزاري) أن يتدارك بعض المسارات، فلقد يكون للرئيس سعد الحريري حدّ في القدرة على التحمل…
… وهل يدرك الجميع أنه إذا دُفع الحريري الى الإستقالة سيتعذر تشكيل حكومة، وسنعود الى نغمة الجرجرة ذاتها المعروفة، وستطير الإنتخابات النيابية… فهل لدى العهد قدرة على تحمل هكذا تطورات؟!