مفارقة غريبة تميّز هذا الذي يُسمّى الربيع العربي الذي اجتاح بلداناً عربية عديدة في مشارق الأمة ومغاربها، وفي بلدانها الاسيوية والافريقية في مرحلة زمنية واحدة، وتتمثل هذه الظاهرة باستمرار النظام السوري وحده، فيما سقطت أنظمة البلدان العربية الأخرى التي شهدت حراكاً وثورات واضطرابات وحروباً.
ولنبدأ بمصر: “ام الدنيا”، “بهية”، البلد العربي الأكبر، والدولة العربية الأعرق… ومع ذلك لم يصمد النظام فيها أمام الحراك الشعبي، فمَن كان يتخيّل أنّ حسني مبارك سيتهاوى وسيدخل السجن؟ ومَن كان يخطر له في بال أنّ الإخوان المسلمين لن يصمدوا سوى لفترة قصيرة تنتهي بسقوط الرئيس محمد مرسي ليصبح أيضاً في السجن؟!
ولكن هذا حدث فعلاً وفي مهلة زمنية قياسية في كونها قصيرة.
وفي ليبيا كان معمّر القذافي يمسك البلد بقبضة من حديد… وسرعان ما تحوّلت المدن الليبية تباعاً الى مسارح لأعمال الشغب والقتل ومن ثمّ المعارك الضارية التي لا تزال حتى اليوم، وشاهد العالم كما استمع الى معمّر القذافي يتوعّد “الثوار” بإبادتهم واصفاً اياهم بالجرذان، مهدداً بملاحقتهم “من زنقة الى زنقة” ومن دار الى دار(…).
ولم يطل الأمر بـ”الأخ العقيد” الى أن سقط نظاماً وشخصاً، في أبشع سقوط وأشنع ميتة!
أمّا في تونس فلم يصمد زين العابدين بن علي طويلاً إذ لم تمر سوى أيام معدودة على الانتفاضة ضدّه (وهي كانت فاتحة هذا “الربيع العربي”) حتى حمل حقائبه وحقائب زوجته ليلى وتوجّها الى المملكة العربية السعودية لاجئين.
والأحداث في اليمن، وإن جاءت مغايرة في تفاصيلها وظروفها وحروبها، حتى سائر البلدان العربية التي ضربتها الثورات، إلاّ أنها تلتقي واياها في النقطة التي نتناولها وهي أنّ الرئيس علي عبدالله صالح لم يصمد طويلاً أيضاً… فسقط، وأيضاً لجأ الى السعودية، قبل أن يعود الى صنعاء في حلف غير متوقع مع الحوثيين الذين عادوا فصفّوه قبل أشهر!
إلاّ بشّار!
لماذا؟
فعلاً: لماذا؟ خصوصاً وأنّ الثورة السورية انطلقت من مطالب محقة، وشاركت فيها أكثرية الشعب السوري.
ومع ذلك لم يسقط بشار، بمعنى أنه لا يزال على الكرسي.
والجواب واضح: لأنّ إسرائيل لا تريده أن يرحل، بل هي تريد بقاءه، وهذا لا يحتاج الى شرح طويل، وتفسير أطول.
فمن جهة يهم إسرائيل أن تتدمّر سوريا، وأن ينهار جيشها، وأن تزول صورة الدولة القوية الثابتة والراسخة التي بناها الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وهذا حصل على نطاق مخيف: الدمار غير المسبوق، نحو مليون قتيل، تهجير نصف الشعب السوري الخ…
ومن جهة ثانية فإنّ إسرائيل ترتاح الى النظام السوري، وقد يكون ملائماً أن نذكّر بما قاله نتانياهو أخيراً عندما كان البحث يتناول القوى التي يجب أن تحل في الجولان والقنيطرة مكان “الخوَذ البيضاء”، إذ قال رئيس وزراء الدولة العبرية كلمته الشهيرة: طوال 40 سنة لم تسجّل طلقة واحدة بيننا وبين سوريا…
فهل من مزيد؟