لو كنتُ أعلم ما أعلمه الآن عشية ١٣ نيسان ١٩٧٥ لكنتُ غادرتُ البلاد من دون رجعة أو تردّد. ففي تلك العشية لم أكن أعرف أنّ كلّ اللبنانيّين طائفيّون وكلّ اللبنانيّين عاجزون عن إنجاز الدولة الوطنية المحرَّرة من القيد الطائفي على قاعدة «ما لقيصر لقيصر وما لله لله».
لو كنتُ أعلم عشية ١٣ نيسان ١٩٧٥ ما أعلمه الآن، لدَعَوْتُ الى اجتماع طارىء لكلّ العقلاء والنوابغ والمبدعين وكلّ الأسوياء المحرَّرين من مركّبات النقص الطائفي والمناطقي والسلطوي، وكنتُ دعَوتُهم الى تحمّل مسؤولياتهم تجاه وطنهم الحبيب لبنان والعمل على إنقاذه من طبقته السياسية العاجزة والمشوّهة والتي لا مانع لديها من تدمير لبنان من أجل حفنة من الأوهام.
لو كنتُ أعلم عشية ١٣ نيسان ١٩٧٥ ما أعلمه الآن، لدعوتُ الى إعلان حالة طوارىء إنسانية يشارك فيها الأطفال والأمّهات والآباء والمدارس والجامعات والأندية والجمعيات، من أجل إنقاذ سلمهم الأهلي ومستقبل أولادهم ومواجهة الخطر الداهم الذي يتهدّدهم نتيجة جنون أهل السلطة والافتتان بالذات.
لو كنتُ أعلم عشيّة ١٣ نيسان ١٩٧٥ ما أعلمه الآن، لكُنتُ ذهبتُ الى الأخ أبو عمّار وطلبت منه ألاّ يجعل من السلاح قيمة تفوق الوطن والإنسان في لبنان، وقُلتُ له أنّ قوّة قضيّته هي في الحفاظ على لبنان الرسالة التي ستقوم على أساسها الدولة الفلسطينية ولو بعد ألف عام، لأنّ في ذلك تجسيداً لإرادة الله بأن جعل من فلسطين محطّة إلزاميّة لكلّ الأنبياء، وكنت أيضاً طلبت منه إلقاء السلاح والذهاب منفرداً للاعتصام والصيام في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان لأنّها أسلم الطرق وأقصرها الى فلسطين وعاصمتها القدس الشريف التي لم نبلغها حتى الآن.
لو كنتُ أعلم عشية ١٣ نيسان ١٩٧٥ ما أعلمه الآن، لذهبتُ الى الرئيس سليمان فرنجية في قصر بعبدا وطلبت منه تأسيس الجبهة اللبنانية على أن تشمل كلّ المناطق والطوائف والنخب وتشرع في وضع إصلاحات تطمئن الخائف وترفع الغبن وتحقّق المشاركة وتنقذ التجربة الوطنية والدولة والكيان.
لو كنتُ أعلم عشية ١٣ نيسان ١٩٧٥ ما أعلمه الآن، لذهبت الى الرئيس رشيد كرامي وطلبتُ منه أن يضع استقالته بتصرّف رئيس الجمهورية ما لم يوافق على إعلان حالة الطوارئ العامة في البلاد مع كل مستلزماتها من منع التجول والاعتقالات العشوائية، لأنّ ما قد يحدث في البلاد يهدّد مسيرة الدولة اللبنانية الحديثة التي تَشارَكَ مع الرئيس فؤاد شهاب في وضع أسسها ومؤسساتها.
لو كنتُ أعلم عشية ١٣ نيسان ١٩٧٥ ما أعلمه الآن، لدعوتُ الزعيمَيْن كمال جنبلاط وبيار الجميل الى اجتماع مشترك ومعهما أحزاب اليمين واليسار، ليضعوا قانوناً جديداً للأحزاب في لبنان يسمح بقيام حزبين فقط على أساس التوجّهات الاقتصادية والاجتماعية للدولة الوطنية الرأسمالية، على أن يُحظِّر القانون كلّ الأحزاب الطائفية بما هي آفّة لبنان المدمّرة للدولة والكيان، لأنّ العزل والعزل المضاد أضاعا من حياتنا أربعين عاماً حتى الآن.
عشية الذكرى الواحدة والأربعين ليوم ١٣ نيسان 1975، فإنّ ما أعرفه من خزيّ وعار وتخلّف واستحمار وتوهّم وادعاء واستلشاء بمصير الصغار والكبار وبالدولة والكيان والطبيعة والإنسان، ومع يقيني بأنّ الطبقة السياسية الآن هي في حالة عجز وفشل تامّين، يجعلني نادم على بقائي في جمهورية العجز والجنون والأوهام لبنان.