في أول تقرير أصدره البنك الدولي بناء على طلب الحكومة اللبنانية حول الخسائر المترتبة على الاقتصاد اللبناني في الفترة الممتدة بين 2011 و2014 من جراء الحرب السورية وتدفق اللاجئين الى لبنان، قدرت المؤسسة الدولية حجم الدعم المالي الذي يحتاج اليه لبنان لتلك الفترة بـ7,5 مليارات دولار. وكان هدف الحكومة من ذلك التقرير، تقديم مستند موثق صادر عن مؤسسة دولية، إلى اجتماع مجموعة الدعم الدولية المنعقد في نيويورك في ايلول 2013 لكي يستجيب المجتمع الدولي لحاجات البلد المضيف.
مضى على ذلك الاجتماع عامان، شهدا أكثر من إجتماع متابعة لمواكبة تطور ملف اللاجئين وإنعكاساته على لبنان.
منذ ذلك التاريخ وحتى إنعقاد الاجتماع الثاني للمجموعة في نيوريوك اخيرا على هامش الاجتماعات الاممية السنوية، لم يسجل لبنان اي تقدم على صعيد إحتواء إنعكاسات اللجوء على إقتصاده وعلى مجتمعه، بل على العكس، شهد الوضع الداخلي تفاقماً زادت حدته الازمة السياسية المستفحلة والشلل الضارب في مؤسسات الدولة الدستورية.
خلال عامين من صدور التقرير الذي يضع تقديراته حتى عام 2014، إرتفع عدد اللاجئين ليتجاوز المليون ونصف المليون لاجئ، ولتتجاوز نسبته ثلث عدد سكان لبنان.
منذ ذلك التاريخ، لم يحصد لبنان من الدعم الدولي الا مبلغ 75 مليون دولار من أصل تقديرات لحاجاته قاربت الـ7 مليارات ونصف مليار دولار.
ولعل أكثر ما يؤشر لخطورة ما آلت إليه الانعكاسات السلبية لأزمة اللجوء من جهة، والازمة السياسية من جهة أخرى، وإستمرار الغموض المحيط في أفق المشهد اللبناني بفعل إرتباطه الوثيق بأزمة سوريا والصراع الاقليمي من جهة ثالثة، هو إنزلاق البلاد نحو الانهيار المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي. فبحسب توقعات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي للمفارقة لم تحظ بأي إهتمام رسمي، لن يتجاوز النمو نسبة الصفر مقارنة بـ 2 في المئة وفق التقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، فيما يسود القلق الاوساط المصرفية والمالية من أي تغيير محتمل في التصنيف الائتماني للديون السيادية.
لم يخرج الاجتماع الاخير للمجموعة الدولية بأي نتائج عملية تحرك الجمود السائد لدى الدول والمؤسسات الدولية المانحة. وبإستثناء الموقف السياسي الداعم لضرورة إنتخاب رئيس جديد وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية، لم يحمل رئيس الحكومة وفريق عمله اي وعود جديدة تجعله يخرج عن الانطباع المتشائم الذي عاد به من الاجتماعات الدولية.
ولكن هل السبب هو عدم بروز لبنان على الرادار الدولي بفعل تقدم الملف السوري والاقليمي على أي إهتمام دولي، أو أن ثمة خفايا لم تتم الاشارة اليها وتعود في جوهر الامر إلى مسؤولية لبنانية في هذا المجال؟
لا تخفي مصادر غربية مواكبة للملف اللبناني إنزعاجها من سوء إدارة لبنان لأزمته ولملفه أمام المجتمع الدولي، كاشفة عن تقصير فاضح في التعامل الرسمي مع التحديات التي تواجه البلاد والتي لا يمكن تحميل الدول والمؤسسات المانحة وزرها.
وتستشهد في هذا المجال بتجربتي الاردن وتركيا اللتين نجحتا في إحتواء أزمة اللاجئين. وأفادت عمان من مساعدات دولية كبيرة أحسن إنفاقها، في حين أن لبنان لم يحسن إدارة الصندوق الائتماني الذي أنشيء لتحصيل المساعدات الدولية، كما فشل في إستعمال المساعدات المالية المعقودة له، إما بفعل تعطل السلطة التنفيذية وعجزها عن إصدار القرارات والمراسيم المسهلة لحصول لبنان على المساعدات واما بفعل تعطل السلطة التشريعية العاجزة بدورها عن إبرام الاتفاقات ومشاريع القروض.
وذكرت هذه المصادر بما شهده مشروع القرض العائد الى سد بسري، وقيمته 474 مليون دولار ممولة من البنك الدولي و128 مليون دولار من البنك الاسلامي. وكشفت أن هذا المشروع كان مهددا بالالغاء بفعل نفاد المهلة المحددة لتوقيعه، ورغم الضغوط التي مورست على السلطة التشريعية للإجتماع وإبرام الاتفاق، إنقضت المهلة ولم يحرك النواب ساكناً، مما دفع مسؤولي البنك الدولي إلى تمديد المهلة حتى نهاية كانون الاول المقبل حرصا على عدم خسارة لبنان الاموال المعقودة لمشروع حيوي مماثل. وقد بدا الامر كأن الحرص الدولي على المصالح اللبنانية أكبر من الحرص اللبناني، فيما ينشغل المسؤولون اللبنانيون في تصفية حساباتهم السياسية الداخلية غير آبهين بالمخاطر والتحديات التي تواجه بلادهم.
وتكشف المصادر أن الصندوق الائتماني قائم، وثمة عمل بدأ بالمشاريع المعقودة والمصدق عليها مثل دعم البلديات الاكثر تأثرا بفعل اللاجئين او مشاريع التعليم لتعزيز قدرات إستيعاب تدفق الطلاب السوريين.
لكن المصادر تبدي أسفها لإنغماس لبنان في مشاكله الداخلية وعدم إلتفات سلطاته إلى التحديات الضخمة التي تواجه إقتصاده وماليته العامة!