IMLebanon

“لو قال مورفي “الضاهر أو عون” لقبلْنا بالضاهر” التاريخ يكرّر نفسه في لبنان… بسخرية أحياناً

ما أشبه اليوم بالبارحة. من يصدّق أن 27 سنة مرّت على يوم أبلغ فيه المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي اللبنانيين بأن أمامهم الخيار بين “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟

وكان عائداً من دمشق وبالكاد انتزع من حافظ الأسد قبولاً بنائب عكار المخضرم، بعدما كان الرئيس السوري الراحل قطع حديثه مع الرئيس أمين الجميّل الذي زاره في اليوم قبل الأخير من انتهاء ولايته عندما تبلّغ عبر قصاصة ورق أن قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع توجه إلى اليرزة والتقى قائد الجيش ميشال عون. وكان الحدث أقرب إلى انقلاب فالرجلان لم يتطايقا من أيام الشيخ بشير الجميّل الذي جمعهما عام 1980 في لجنة برئاسة الأستاذ أنطوان نجم مهمتها وضع خطة لوصوله إلى قصر بعبدا. كان رأي عون أن يأخذ بشير السلطة بانقلاب عسكري لكن بشيراً وبقية فريقه أصرا على انتخاب دستوري، والتفاصيل في كتاب آلان مينارغ “أسرار حرب لبنان” وذاكرة الأستاذ نجم وأوراقه.

همس مورفي “الضاهر أو الفوضى”. قال جعجع إن الضاهر “مكبّل بالتزامات مع السوريين تشبه “الإتفاق الثلاثي” الذي أسقطناه (مع الرئيس الجميّل)”. سيقول مازحاً بعد سنوات “لو أخبرنا مورفي أن الخيار هو بين الضاهر أو عون، لاخترنا الضاهر”. قبل تسلم عون رئاسة حكومة العسكريين لم يكن أحد يستطيع تخيّل الفوضى التي ستنزل بلبنان.

ما أشبه اليوم بالبارحة. انتزع مورفي موافقة الأسد على الضاهر في لحظة توافق أميركي – سعودي – سوري عليه وبصعوبة بالغة خلافاً لسلفه روبرت مورفي الذي قاد المهمة نفسها عام 1958 ولكن مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وجاء توافقهما باللواء فؤاد شهاب رئيساً. وما أقسى واقعية شارل رزق في كتبه ولقاءاته حين يؤكد أن انتخاب رئيس لبنان مسألة صورية بروتوكولية منذ زمن بعيد ولا جديد تحت الشمس ولا خجل، حتى أن الرئيس السوري الابن بشار تباهى بفعلته ولم ينقض كلامه أي من الرؤساء المعينين.

اتفق عون وجعجع على رفض الضاهر ولكن لم يتفقا على رئيس التسوية حين تأتي لحظة التسوية وكان الثمن خسائر هائلة نُكِب بها المسيحيون خصوصاً. بعد 27 عاماً تقول معلومات إن الموفد الفرنسي الفاتيكاني فرنسوا جيرو تحدث عن سفير لبنان لدى الفاتيكان جورج خوري وحاول تسويقه لدى طهران رئيساً. وتردّد أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف تحدث عن الوزير السابق جان عبيد، وأن اسم قائد الجيش العماد جان قهوجي يلقى استحساناً في المملكة العربية السعودية. لكن الأكيد أن عون وجعجع لم يتوافقا إلا على تظهير من يكون منهما أولى بتولي الرئاسة من خلال استطلاع للرأي أو سواه.

التاريخ يتكرر ولكن ليس بالضبط. لا عون ولا جعجع اليوم كما كان كل منهما في 1988. ورئيس سوريا فقد قدرته على تعيين رئيس لهذه البلاد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لا بل صار هو نفسه تابعاً لطهران. صارت سوريا لإيران ما كانه لبنان لسوريا. التاريخ ساخر أحياناً. توزع القرار في الشأن اللبناني بين إيران والسعودية التي نشّطت سياساتها الخارجية أخيراً في اليمن والبحرين ومصر وسوريا والعراق ولبنان. وبعد الإتفاق الأميركي – الإيراني الذي يجعل طهران عاصمة دولة على “العتبة النووية” – إذا تحقق هذا الإتفاق فعلاً خلال أيام – فيمكن أن يعود الحديث جدياً هذه المرة عن انتخاب رئيس لجمهورية لبنان الضائعة. الجنرال ميشال عون يحفّز أنصاره للتحرك في الشارع هذه المرة بدل ساحة قصر بعبدا. لكن المنطق يقول بأن اللبنانيين مسيحيين ومسلمين يجب أن يكونوا جاهزين للحظة التوافق والإنتخاب. هل بقي حيّز في هذه البلاد مكان لشيء اسمه المنطق؟