Site icon IMLebanon

إن لم يُطعن بموازنة الـ 17…إستعدّوا لـ 18؟!

 

أمّا وقد أُقِرّت موازنةُ 2017 وستنتشر بلا «قطع الحساب» الذي يسبقها عن العام 2015. فهذا يعني أنّ التفاهم السياسي تجاوز ما يقول به الدستور وقانون المحاسبة العمومية. لكن هل هناك مَن يضمن أنّ العقدة عينَها لن تتكرّر عند البتّ بموازنة 2018 بلا «قطع حساب» الـ 2016، وهل هناك صيغة تمدّد العمل بنظرية «لمرة واحدة» التي اعتُمِدت مرةً ثانية؟!

باعتراف الجميع من أهل السلطة والمعارضة ورجال القانون والدستور وأكثرية الذين جمعتهم «قبّة البرلمان» على مدى أيام «ثلاثية الموازنة» أنّ ما جرى في ساحة النجمة وانتهى بإقرار موازنة سنة 2017 قبل شهرين من نهايتها، قد تمّ بطريقة غير دستورية وغير قانونية.

رغم أنّ المجلس النيابي جمّد بلا أيّ تعديل ولـ«مرة واحدة» العمل بالمادة 87 من الدستور التي تقول بضرورة البتّ بـ«قطع الحساب» عن عامين سابقين لتاريخ الموازنة قبل نشرها – أي عن العام المالي 2015 – بتوافق سياسي حكومي ونيابي غير مسبوق. فهم لم يُجمِعوا يوماً على هذا الشكل لتجاوز قطوع الموازنة على رغم معرفتهم وإقرارهم بالمخالفة المرتكبة وصولاً الى اعتبار رئيس مجلس النواب نبيه بري ما معناه أنه وعلى رغم العيب في عدم إقرار «قطع الحساب» فإنّ وجودَ موازنة هو أهم بكثير ممّا يتوقّعه أحد.

وعلى هذه الخلفية يتطلّع خبراءٌ دستوريون الى حجم المخالفة المرتكبة، رغم ما قال به قرار المجلس الدستوري عندما جمّد العمل بقانون الضرائب رابطاً بينه وبين صدور الموازنة وقطع الحساب، ورافضاً عدمَ تخصيص أيّ ضريبة لهدفٍ معيَّن، عدا عن الإصرار على تلازمها والبتّ بالموازنة من دون المَسّ بقانون سلسلة الرتب والرواتب.

وفي هذا الإطار يعترف دستوريون وإقتصاديون أنّ الحكومة ومجلس النواب التزما ما لم يفعله أحد سابقاً، بقرار المجلس الدستوري الى حدٍّ كبير، وخصوصاً لجهة إعادة التصويت عند إقراره مادة، مادة، بالمناداة على النواب فرداً، فرداً، وبصوتٍ عالٍ وواضح، وبشطب البنود التي ربطت بين الضرائب في قانونها الخاص ومصادر تمويل سلسلة الرتب والرواتب التي أُقِرّت بموجب قانون آخر وإقرارها من ضمن الموازنة، كما أعادوا الشمولية اليها بموجب المادة 86 من الدستور من باب الحفاظ على المساواة بين اللبنانيين الذين طاولتهم الضرائب ووقف جوانب من ازدواجيّتها في بعض القطاعات، وخصوصاً في المهن الحرّة.

كذلك أضاف القانون الجديد الضرائب على الأملاك البحرية الى الموازنة العامة وأوضح كثيراً ممّا كان ملتِبساً عند احتسابها وتطبيقها، إضافةً الى تقديم إشارة واضحة وصريحة الى وقف العمل بالقاعدة الإثني عشرية التي يقول القانون باعتمادها لشهر أو شهرين على الأكثر من مطلع أيّ سنة مالية في انتظار إقرار موزانة السنة دورياً وطبيعياً وفق المواعيد المحدَّدة لوضعها في وزراة المال وإقرارها في الدورة العادية من كل سنة.

وهي آلية اعتُمدت منذ 12 عاماً على التوالي ما شكّل خرقاً كبيراً في زيادة الصرفيات قياساً على حجم آخر الموازنات الطبيعية المعتمَدة والصادرة منذ العام 2005.

وعلى رغم إشارة هؤلاء جميعاً وإقرارهم بأنّ الخرقَ الكبير بقي بتجاوز المجلس النيابي موضوع «قطع الحساب» قبل البتّ بالموازنة ونشرها متجاوزين بذلك المادة 87 من الدستور فإنّ لذلك ما يبرّره، فقد شكّل إقرار الموازنة إشارةً واضحة تحمل كثيراً من الإيجابيات تجاه الداخل والخارج معاً.

فالعالمُ الخارجي سيُقرّ بهذه العملية وسيعطيها أهميةً قصوى في التعاطي مع لبنان متى تحكّمت الموازنة بمصاريف الدولة وشُكّل الإنفاقُ فيها على قاعدة التوازن بين الواردات والصرفيات.

كذلك أضاف الخبراءُ عناصرَ إيجابية أخرى الى ما تمّ تحقيقه على مستوى الموازنة لسنة 2017 بغض النظر عن المخالفات والشوائب الدستورية المرتكبة وتأخّر إقرارها 12 عاماً، ويمكن الإشارة الى البعض منها على الشكل الآتي:

– دخول البلاد مدار الإنتظام المالي بعد غياب دام 12 عاماً.

– الحدّ من فوضى الإنفاق، ووضع سقف محدَّد، إن أراد القيّمون على المال العام وقفَ الهدر.

– بداية القدرة على معالجة العجز في المالية العامة وتوافر الضوابط المؤدّية الى تحديد حجمه ووضع حدّ للخلافات حول تقديره تمهيداً للمعالجة بالوسائل المتاحة.

– القدرة على تطوير سُبل معالجة الدين العام وحصر النفقات في موزانة 2018 بعد تحديد الخطوات المؤدّية الى ذلك، وتصحيح التوقّعات في شأن القدرة على الجباية وتقدير المداخيل والواردات لتحديد أرقام الإنفاق وتوجيهها في الإتّجاه الصحيح.

– توافر القدرة على تحديد الضرائب والرسوم الجديدة من ضمن رؤية إقتصادية وإجتماعية ومالية واضحة للسنة المقبلة وتحديد الإصلاحات المؤدّية الى تحسين الأوضاع المالية وتوسيع التقديمات الإجتماعية ومواجهة حالات الفقر التي توسّعت الى أن بلغ مستوى الفقر 32% بعدما كان 22% قبل خمس سنوات، وبلوغ البطالة في اليد العاملة الشابة ما يقرب من 32% بعدما كانت في حدود 25%.

وامام هذه القراءة الإقتصادية والدستورية لم تستبعد هذه المراجع إمكان لجوء المعارضة الى الطعن مرة أخرى بقانون الموازنة. فالخروق كثيرة ومتعدّدة وقد أهدت الحكومة المعارضة كثيراً ممّا تريده على طبق من ذهب.

لكن ما هو أدهى أنّ الظروف التي حكمت البتّ بموازنة 2017 قد تُطرح مرة أخرى بكل بنودها وخطواتها عند البحث في موازنة 2018. وخصوصاً أنّ الحكومة قرّرت البدءَ بمناقشتها في جلسات استثنائية إبتداءً من الأسبوع المقبل.

فمن المستحيل أن تنجح الحكومة في إجراء قطع الحساب للعام 2015 قبل البتّ بموزانة 2018 وهو ما قد يطرح المعضلة مجدّداً عندما تصل الموازنةُ المقبلة الى ساحة النجمة بلا قطع الحساب الخاص بالعام 2016 ولم ينتهِ العمل بعد بقطع الحساب الخاص بموازنة 2015 في ظلّ المهلة التي أُعطيت للبتّ بها خلال سنة.

وعليه، ترى المراجع الدستورية والمالية نفسُها أنّ إعادة طرح الموضوع المتصل بقطع حساب العام 2016 سيكون ملزِماً، فلا يمكن نشر موازنة 2018 من دون البتّ به. ولما تمّ تجاوز الأمر أخيراً عند البتّ بموازنة 2017 بمادة أُضيفت الى قانون الموازنة قال المجلس النيابي بأكثرية أعضائه إنّ الحلّ إستثنائي ولمرة واحدة، فيكف يمكن التمديد لمثل هذه الخطوة التي أُقِرّت لمرة واحدة.

وعليه، تنتهي هذه المراجع الى القول إنّ الطعن إن لم يطاول موازنة 2017 سيكون ممكناً وسهلاً عند إقرار موازنة 2018. وهنا يبرز رهانُ أهل الحكم على أنّ الأمر سيتزامن ووجود مجلس نيابي جديد إذا إنتُخِب في أيار المقبل خالٍ من المعارضة.

فهم يراهنون على تغييراتٍ كبيرة في الكتل النيابية لتقليص دور المعارضة فيما هي تراهن في الوقت عينه على العكس وسيكون لها نصيبٌ كبير في المجلس المقبل وهو ما سيسمح بتغيير المعادلات النيابية.

وبناءً على ما تقدّم، وفي حال لم يتحقّق رهانُ أهل الحكم والمعارضة معاً، فلا حول ولا قوة وسيكون عندها لكل حادث حديث.