مهرجان “التضامن مع الشعب اليمني” الذي أقامه “حزب الله” أعاد بالذاكرة الى زمن المهرجانات التي كانت تقام في لبنان نصرة لشعب الجزائر تارة ولنصرة شعوب مصر والعراق وسوريا طوراً عدا التظاهرات التي تحرق فيها الاطارات احتجاجاً أو تأييداً… فمتى يقول اللبنانيون على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم كفى التطلع إلى ما وراء حدود لبنان والاهتمام بداخل هذه الحدود فقط، وكفى التدخل في شؤون أي دولة كي لا تتدخل هي في شؤون لبنان، وكفى الارتباط أو الارتهان لأي دولة وانتظار كلمتها لنعمل بها… وكفى استمرار الشغور الرئاسي الذي تجنب السيد حسن نصر الله الكلام عليه وهو أهم من اي كلام آخر، وكأن هذا الشغور لا يهم اللبنانيين بل يهمهم ما يجري في سوريا والعراق واليمن أكثر، في حين أن نصر الله كان أفرح اللبنانيين لو أنه بشّرهم بانتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب جداً لا أن يظلوا يتلقون الاخبار السيئة فيزداد تشاؤمهم ويعود تفكيرهم بالهجرة. وكفى أخيراً شكراً لهذه الدولة أو تلك بل شكر للبنان فقط.
وليت السيد نصر الله بدأ خطابه في المهرجان بالعبارة المطمئنة التي ختمه بها وإن كان مضمونها يتعارض وممارسة الحزب وحملاته الكلامية، معنى ومبنى واكتفى بها، وهذا نصها:
“أنصح بعض اللبنانيين بالهدوء ولا مشكلة في الانتقاد، ولكن ليس من الصواب أن نشتم بعضنا بعضاً، ولا أن نعتبر النقد شتائم. ففي المسألة اليمنية لكل منا قناعته يعبر عنها وعن رأيه بالطريقة التي يراها مناسبة مع التوصية بالتزام حدود الضوابط الاخلاقية واني أدّعي الالتزام بها. نحن هنا في لبنان نريد أن نعيش سوياً ونكمل سوياً ونواصل سوياً ونعمل سوياً كما عملنا على تحييد لبنان عن الازمات أو الصراعات في سوريا برغم مخاطرها الكبيرة. كذلك نحن لا نريد أن ينتقل هذا الخلاف وهذا الصراع في موضوع اليمن إلى لبنان”…
نائب في “تيار المستقبل” أثنى على نصائح السيد نصر الله هذه لكنه طلب منه أن يعمل بها هو أولاً. فانتقاداته للسعودية كانت شتيمة بل تحريض سياسي ومذهبي، وقناعته بمواقفه لم يعبّر عنها بالطريقة المناسبة ولا التزم بها حدود الضوابط الاخلاقية، ولا أثبت في ممارساته منذ العام 2005 أنه يريد العيش سوياً والعمل سوياً، ولم يعمل على تحييد لبنان عن الأزمات أو الصراعات في سوريا بل خالف سياسة النأي بالنفس في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع أنها كانت حكومة “نصر الله” كما وصفت. وخالف “إعلان بعبدا” الذي وافق عليه أقطاب الحوار بالاجماع ولم يستجب مصلحة لبنان عندما قرر التدخل عسكرياً في الحرب السورية من دون علم الدولة وهو شريك فيها مناصراً النظام على من هم ضده، ليس في سوريا فحسب بل في لبنان المنقسم هو أيضاً بين من هم مع النظام ومن هم ضده، ما رفع مستوى التوتر السياسي والمذهبي. أما قوله إنه لا يريد نقل الخلاف والصراع في موضوع اليمن إلى لبنان، فان مواقفه وتصريحاته أليست سبيلاً لنقل هذا الخلاف إلى لبنان خصوصاً إذا صار الرد عليها بمهرجانات مضادة إلا إذا كان يرى أن نقل الخلاف والصراع في اليمن إلى لبنان يكون بتدخله العسكري في الحرب الدائرة بين قوى السلطة الشرعية، وقوى “الحوثيين” المتمردة عليها، كما تدخل في سوريا، ولا احد يعرف متى يخرج “حزب الله” منها ويعود إلى لبنان وإلى لبنانيته.
في تموز 2007 كتب الوزير نهاد المشنوق عندما كان يمارس مهنة الصحافة مقالاً بعنوان: “كيف يتصالح “الحزب” مع لبنان” جاء فيه:
“لم يكن السؤال سهلاً عليّ حين أدرته في ذهني مناقشاً لمضمونه ولما قد أحصل عليه من أجوبة، ولا كان ممكناً تجاهله بعد سنة من حرب تموز وطرحت خلالها عشرات الأسئلة عن “حزب الله” وقُدرته على الاندماج في الصيغة اللبنانية إلى حدّ التماهي أو الانقضاض على رموزها إلى حدّ الرغبة في القضاء عليها دون نجاح يذكر. ليس للحزب مشروع انقلابي على السلطة في لبنان حتى الآن على الأقل، وأرى أن كل مساعيه الهجومية تهدف إلى دخول الحمى السياسي للسلطة مما يجعله، من وجهة نظر قيادته، قادراً على مراقبة ما يجري داخل القاعات وزواياها ويتحسَّب لما يمكن أن يفاجأ به في وقت لاحق. لذلك تبدو لبنانية الحزب ضرورة أكثر مما هي رغبة، وحاجة أكثر مما هي انتماء، وطبيعية أكثر مما هي افتعال، إذ كلما اقترب الحزب في سياسته من لبنانه، فرغت الأوراق المعترضة عليه من مضمونها وصار منتسبوه أكثر تفهماً للصيغة اللبنانية التي تحميهم معنوياً من الشعور بأنهم مكشوفو الظهر داخلياً أمام خصم خارجي. إن الخروج العسكري السوري من لبنان شكَّل مفصلاً أساسياً في الحركة السياسية للحزب، اذ اعتبر الحزب هذا الخروج حسماً جدياً من القدرة السياسية له، فضلاً عن إصابة جدية لخطوط إمداده العسكري، فكان لا بدّ من القرار بالانفتاح الجدي على السلطة بمعناها الشامل الجدي أولاً بالتحالف مع أحزاب السلطة في الانتخابات النيابية في ما يسمى “التحالف الرباعي”، وثانياً بالدخول في الحكومة بعد استنكاف متكرر عن المشاركة في الحكومات والاكتفاء بالتمثيل النيابي منذ انتخابات 1996”.
الواقع أن السؤال الذي لا يزال يطرحه اللبنانيون منذ أعوام هو: متى يعود “حزب الله” ليس إلى لبنان فقط إنما إلى لبنانيته فيكون هو المنقذ باعتماد سياسة الحياد التي وحدها تجمّع ولا تفرّق ووحدها تحمي الأمن والاستقرار والازدهار.