IMLebanon

لو أن مجلس الوزراء عاد إلى “بروتوكول الإسكندرية” لما كان في حاجة إلى تفسير “الإجماع العربي”

لو أن وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ومعه مجلس الوزراء عادوا الى “بروتوكول الاسكندرية” لما كان صدر عن جلسة المجلس الاستثنائية بيان باهت لا لون له ولا طعم لأنه يعكس تركيبة الحكومة نفسها التي تجمع الأضداد، ولا كانت الحاجة الى إضافة أي عبارة الى عبارة “الإجماع العربي”، ولا كان الوزير باسيل في حاجة الى عقد مؤتمر صحافي يخرج به عن مضمون البيان وتفسيره بالقول: “إننا ننحاز إلى الوحدة الوطنية إذا خيّرنا بين الإجماع العربي والوحدة، بل ننحاز إلى الوحدة بما تعنيه من عدم تفجير البلد وعدم المساس باستقراره”، ولما كان في حاجة إلى التساؤل: “هل الإجماع العربي هو أولوية على أي مكون داخلي في لبنان، وإجماع ضد فريق لبناني أو ضد مصلحته، ووحدته”، ولما كان اضطر المكتب الاعلامي للرئيس تمّام سلام إلى الرد عليه.

إن “بروتوكول الاسكندرية” الذي أقرّته الهيئة التحضيرية للمؤتمر العربي العام في تشرين الأول 1944 ينص بوضوح على الآتي: “تكون قرارات مجلس جامعة الدول العربية ملزمة لمن يقبلها عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة ويلجأ فيها الطرفان إلى المجلس لفضّ هذا الخلاف. ففي هذه الأحوال تكون قرارات مجلس الجامعة نافذة وملزمة”. كما ينص على أنه “لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة، وأن لكل دولة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام أو روحها، ولا يجوز في أي حال اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة منها، وأن يتوسّط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أية دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما”.

إن الوزير باسيل ومعه مجلس الوزراء، لو اطلعوا على هذه النصوص لما كان ثمة حاجة إلى القول إن “الوحدة الوطنية في لبنان لها الأولوية على الإجماع العربي، أو يكون إجماعاً ضد لبنان أو ضد مصلحته، أو يكون الإجماع العربي ضد المصلحة الوطنية العليا”. فكيف يكون إجماع يخافه الوزير باسيل ما دامت الدولة المتضرّرة لها حق الرفض فيسقط الاجماع؟

إن الحرص على الوحدة الوطنية ليس بعدم التزام الاجماع العربي إنّما بعدم التزام الاجماع الوطني، فلا يظل “حزب الله” يقرّر منفرداً التدخل عسكرياً في سوريا والعراق والبحرين واليمن ومواجهة سياسة تعتمدها السعودية ممّا يؤثّر على لبنان كما قال رئيس “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع في مؤتمره الصحافي، ولا كان الوضع الداخلي يسير من سيئ إلى أسوأ لأن هناك من يصادر قرار الدولة، كما قال أيضاً، ليختم متسائلاً: “كيف لنا أن نطبق سياسة النأي بالنفس وحزب الله ينفذ أجندة استراتيجية ويقاتل في سوريا؟”.

الواقع لو أن “حزب الله” كان حريصاً فعلاً على الوحدة الوطنية لانسحب من الحرب السورية التي ينقسم حولها اللبنانيون، ولوافق على استراتيجية دفاعية تضبط استخدام سلاحه لأن ابقاءه تحت إمرة الحزب وحده يخلّ بالتوازن الداخلي، والاخلال به يصدع الوحدة الوطنية ويهز الاستقرار العام في البلاد. فهل بات على الجميع البحث عن مفهوم جديد للوحدة الوطنية وذلك بترميمها أو إعادة تأسيسها؟

إن الحفاظ على الوحدة الوطنية يكون بالحرص على التوازن الداخلي وليس بالاخلال به بحيث تكون فئة لبنانية مسلّحة وفئة أخرى غير مسلّحة، أو أن تكون طائفة قائدة وطائفة مقودة وتابعة، ولا يكون في انتخاب رئيس للجمهورية غالب ومغلوب ولا في تشكيل الحكومات أيضاً، وألاّ يكون لحزب أو طائفة حق الانحياز إلى دولة للاستقواء بها على الشريك الآخر في الوطن الذي يضطر بدوره الى أن يفعل مثله دفاعاً عن حقوقه ومصالحه… حتى وإن تضرّرت مصالح الوطن.

إن قوى 14 آذار التي قدّمت سلسلة من التنازلات من أجل الوحدة الوطنية والعيش المشترك والسلم الأهلي، لم يعد في استطاعتها تقديم المزيد لئلا يشكل ذلك استسلاماً كاملاً في وقت يتمادى “حزب الله” في اتخاذ قرارات منفردة واستفزازية أحياناً لوضع هذه القوى أمام خيارات صعبة، إمّا الرد عليها بالمثل وإن على حساب السلم الأهلي والعيش المشترك فتكون الخسارة للجميع ويصبح كيان لبنان ووجوده في خطر داهم، وإمّا أن تظل مستسلمة لـ”حزب الله” وكأن لبنان لا أمّ له سوى 14 آذار. فعلى “حزب الله” إذاً أن يعيد التوازن بين مكوّنات لبنان صوناً للوحدة الوطنية والعيش المشترك والسلم الأهلي، فيقرّر الانسحاب من سوريا ويضع سلاحه في كنف الدولة كي تعود القوة إلى الحق ولا يبقى الحق للقوّة، ولكي تقوم في لبنان دولة تخرجه من الوضع الشاذ الذي يعيش فيه منذ سنوات.