IMLebanon

إذا تحقّقت المبادرة وانتُخب الرئيس…

سنتنحّى جانباً، ولو لبرهة، عن التكهّنات التي أغرقت الرأي العام بشأن مصير مبادرة الرئيس سعد الحريري: أهي مستمرّة، متعثرة، طُويت مؤقتاً أم أُهملت إلى الأبد؟. فالهدف هنا هو إظهار المفاعيل الاقتصادية الإيجابية التي يمكن أن تترتّب، ضمن شروط معيّنة، على إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي.

تكرّر الحديث في السنتين الأخيرتين عن تعطيل المؤسّسات الدستورية، وشغور رئاسة الجمهورية بشكل خاص، بوصفهما مسؤولين مباشرين عن تراجع الأوضاع الاقتصادية وتدهور الشروط الاجتماعية في البلاد. فهل يؤدّي اتفاق القوى السياسية على اسم الرئيس وإنجاز الانتخاب إلى تحسّن فوري وتلقائي في الأوضاع الاقتصادية؟

الحقيقة أن انتخاب الرئيس هو ممرّ إلزامي للخروج من المستنقع الاقتصادي الراهن، وخطوة ملحّة ولا بدّ منها لإبعاد لبنان عن حافة الانهيار. إن مجرد ورود أخبار من باريس والرياض عن اتجاه الرئيس سعد الحريري لتأييد ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة أحدث حركة إيجابية ولو خجولة في الأسواق. وما عزّز الإحساس بالتفاؤل، في البداية، أن مبادرة الحريري جاءت في أعقاب دعوة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى صفقة سياسية وطنية شاملة، مما خلق انطباعاً، مجرد انطباع، بأن هناك رغبة محلية وخارجية بإنهاء الأزمة وانتخاب الرئيس.

الانتخاب هو خطوة أولى لا غنى عنها لإصلاح الأوضاع، خطوة ملحة لا يجوز تأخيرها أكثر مما تأخرت حتى الآن. لكنها وحدها غير كافية، فلا بدّ أن تقترن بشروط أخرى جوهرية تتعلق بظروف الحياة والعلاقات السياسية وطريقة إدارة الدولة، حتى تتحقق الأهداف المبتغاة.

إن آفاق التحسّن الاقتصادي مفتوحة أمام لبنان إذا توافرت هذه الشروط، أي الانتخاب والاستقرار وحسن الأداء. فمعدّل النموّ الاقتصادي اضمحلّ وبات حالياً بحدود 1.5%، في أحسن الأحوال، وهو لا يشمل، على تواضعه، كل القطاعات والمناطق. ومن المعروف أن هذا المستوى المتدني يقلّ كثيرا عن النموّ الذي اعتاد لبنان أن يحققه في الظروف الطبيعية، وهو ما بين 4% و5%. أي أن حلاً سياسياً مكتمل الشروط والمفاعيل سوف يرفع نموّ الناتج المحلي اللبناني بسرعة إلى ثلاثة أضعاف ما هو عليه اليوم.

وإذا كان الحلّ قويّا، واكتسب ثقة المستثمرين المقيمين وغير المقيمين، وإذا تزامن مع تراجع حدّة الصراع السوري، حيث يُحكى عن وقف محتمل لإطلاق النار في الشهر المقبل تنفيذا لمقررات مؤتمر فيينا، ، يمكن أن يسجل نموّ الناتج المحلي في لبنان حركة عكسية وفورة مؤقتة يرتفع معها في وقت قصير إلى خمسة أضعاف ما هو عليه اليوم. بمراجعة نتائج الاقتصاد اللبناني في العقد الأخير تظهر أمامنا قابلية هذا الاقتصاد للتجاوب والتفاعل مع أية ظروف إيجابية، من الداخل أو الخارج.

فبعد أن كان معدّل النموّ يتراوح بين 3% و4% بعد سنة 2000، حقق قفزة مهمّة في النصف الثاني من العقد الماضي فتجاوز 9% سنتي 2007 و2008 ثم تراجع بشكل طفيف في السنتين اللاحقتين، قبل أن يتدهور إلى مستواه التعيس الراهن، بفعل حدّة الأزمة السياسية وتعطيل المؤسّسات المتزامنين مع الحرب السورية.

هناك مثل آخر على اتساع الأفق أمام الاقتصاد اللبناني إذا توفرت الظروف الملائمة. ففي فترة الطفرة التي أشرنا إليها، قبل سبع سنوات، حقق ميزان المدفوعات اللبناني فائضاً قارب 9 مليارات دولار، أما هذا العام فقد بلغ عجز ميزان المدفوعات 2.2 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من السنة، يضاف إلى عجز بمبلغ 1.4 مليار دولار في العام الماضي.

إذا تمكنت التسوية السياسية المفترضة من كسب ثقة المستثمرين الداخليين والخارجيين وأوحت بأن لبنان دخل فعلاً مرحلة من الاستقرار، من الطبيعي أن تنشط المشاريع الخاصّة القائمة وتنشأ إلى جانبها مشاريع جديدة. ويمكن الاطمئنان إلى أن الموارد المالية لتمويل القطاع الخاص متوفرة، حتى في الظروف السيئة الراهنة، ولكن حالة الاستثمار ضمن الوضع السياسي والأمني المتأزم تمنع استخدامها.

فموجودات المصارف اللبنانية تزيد عن 3.5 أضعاف الناتج المحلي القائم، فيما الودائع المصرفية تبلغ ثلاثة أضعافه. وهذا المعطى الاستثنائي يوفر موارد كبيرة لتمويل الاقتصاد اللبناني، إلا أن عدم الاستقرار ووضع المالية العامّة، والسياسة النقدية المنسجمة معهما، حرّفت مسار التوظيفات المصرفية، بحيث استأثر القطاع العام بمعظم التمويل. تعادل ديون القطاع العام، بمفهومه الواسع الذي يشمل مصرف لبنان، 60% من مطلوبات المصارف، أي أكثر من ضعفي الناتج المحلي بما يشبه تأميماً، طوعياً وقسرياً معاً، لتوظيفات المصارف.

اذا سلّمنا بجاهزية الاقتصاد اللبناني، بعد الحل السياسي، للتقدّم وتحقيق نتائج باهرة في فترة قصيرة مقبلة، فإن الحلّ المنشود يمرّ حتماً بانتخاب رئيس الجمهورية، ولكنه لا يتوقف عليه.

ينبغي ان يمتدّ إطار التسوية ليشمل تشكيل حكومة ذات تمثيل واسع تمارس وظائفها من دون عرقلة أو تعطيل، وتتعاون مع رئيس الجمهورية والمجلس النيابي على حلّ المشاكل المزمنة والمتراكمة: مشاكل المالية العامّة وإدارات الدولة ومؤسّسات القطاع العام، وفي طليعتها مؤسّسة كهرباء لبنان. كذلك مشاكل الاتصالات والرواتب والنفايات، التي تطلبت ستة أشهر من المماحكات والمعالجات للتوصّل إلى حل للمرحلة الانتقالية، فما هو الوقت الذي سيستغرقه الاتفاق على المرحلة المستدامة؟