لم نتوقف لحظة عند التغريدة التي أصبحت شهيرة، وأطلقها الدبلوماسي السعودي الشاب في حينه… وليس في النيّة التوقف عندها الآن… ولكن ما يجدر التوقف عنده مستوى الحالة السياسية اللبنانية السائدة اليوم، والدرجة التي بلغتها في مسارها الانحداري. وفي السياسة كما في الطبيعة، فان إلقاء حصاة صغيرة في مياه البحيرة لا تحدث سوى تموّجات طفيفة على السطح. وحتى لو تمّ إلقاء صخرة هائلة الحجم فيها فانها قد تحدث تموّجات أكبر ولكنها لا يمكن أن تتسبّب بطوفان يغرق اليابسة المحيطة بالبحيرة… فكيف أمكن لتغريدة بكلمات قليلة أن تطلق كل هذا الطوفان السياسي من التفسيرات والتأويلات في لبنان؟!
لو كان العقل السياسي في حالة صفاء واتزان لنظر الى الأمر بأسلوب مختلف… ذلك أن تلك التغريدة المبهمة في ايحاءاتها تمّ اطلاقها دون وجود مناسبة محدّدة تبرّر التغريد بها على مواقع التواصل الاجتماعي… فلا هي أطلقت في مناسبة عيد ميلاد مطلقها الأمير سعود الفيصل ٢ يناير ١٩٤٠، ولا في ذكرى وفاته رحمه الله ٩/يوليو ٢٠١٥، ولا في عيد ميلاد معالي جان عبيد أطال الله في عمره في ٨ مايو ١٩٣٩، ولا في ذكرى ذلك المؤتمر التاريخي لوزراء الخارجية العرب التي قيلت تلك العبارة لمناسبة انعقاده مع الندرة الطاغية لكل ما هو تاريخي للوزراء العرب!
لو كان العقل السياسي في حالة صفاء واتزان لأدرك أن الدبلوماسي السعودي، سواء أكان شيخاً جليلاً أم كان شاباً في مقتبل العمر، فانه يراعي مقاييس صارمة في ممارسة عمله الدبلوماسي وفي سلوكه الشخصي، وفي تغريداته الحرّة، أو تصريحاته الرسمية. وسحب التغريدة بعد أن أعطت مفاعيلها وما لحقها من تبريرات، لا يقدّم ولا يؤخّر، لأن ذلك من ضمن عدّة الشغل أيضاً! وعلى سبيل المثال، كم من قصف سياسي أو عسكري قامت به دولة ما، عامدة متعمّدة، ثم اعتذرت عنه لاحقاً لأنه جرى عن طريق الخطأ! ما أكثر أعداد المصابين ب النيران الصديقة، وهو تعبير مبتكر لمثل هذه الحالات في قاموس عدّة الشغل الدبلوماسي!
ما كان يجدر بالعقل السياسي اللبناني أن يتوقف لحظة واحدة عند تلك التغريدة بالاستناد الى تفسيرها… فاذا كانت مجرّد زلّة الكترونية لوجب أن تكون حالة عابرة. أما اذا كانت تحمل رسالة ما في مضمونها فتكون الحالة أعظم، لأنها تشير الى مدى خفّة وزن المرسل اليه، في ميزان التعامل الخارجي مع الوزن الداخلي! واذا صحّ التفسير لهذا الاحتمال لوجب تجاهل هذه التغريدة وكأنها لم تكن، مع ما تكنّه الدولة اللبنانية من ودّ وتقدير بالغ لدولة المغرّد كشقيقة كبرى تربطها أوثق العلاقات بلبنان، وانما كموقف يلتزم بحدّ أدنى من الكرامة والكبرياء الوطني!