IMLebanon

إن نشأت «جمهوريّتا» الرقة وإدلب» فـ«الكردية» من التاريخ؟

 

يصعب على المراقبين تحديد أيِّ موعد لاستعادة سوريا القديمة تزامناً مع عددٍ من السيناريوهات عن «الدويلات السورية الموقّتة» وغير المتّحدة لمجرد رسم الخرائط الجديدة التي كرّستها عمليةُ تقاسم النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية. وما يزيد من المخاوف الحديثُ المتنامي عن حدودٍ وخطوطِ تماس «نهرية وإدارية محترَمة». ومن هنا انطلق السباقُ بين جمهورياتِ إدلب والرقة وكردستان. فما الذي يقود الى هذه القراءة؟

فرضت العمليات العسكرية التي تقرّرت للقضاء على «داعش» في كلٍّ مِن العراق وسوريا قراءة جديدة للتطورات. فقد شكّلت الحملات العسكرية التي قادها كلٌّ مِن الحلف الدولي وأصدقائه المحلّيين، وكذلك روسيا وحلفائها، مظهراً من مظاهر «توحيد اللائحة الإرهابية» رغم وجود لدى كلٍّ مِن طرفَي النزاع لائحته الخاصة بالمنظمات الإرهابية التي تضمّ حلفاء للطرفين على مساحة الجغرافيا السورية.

وكل ذلك من أجل القضاء على «الشيطان الأكبر» وإنهاء وجوده في الدولتين بعدما تجاوز كل الخطوط الحمر لمجرّد نقل عملياته الإرهابية الى معظم عواصم العالم البعيدة كل البعد من الشرق الأوسط وسوريا تحديداً.

وعلى هذا الأساس تبدو المراجعُ الديبلوماسية مدعوَّةً الى إعادة قراءة النتائج التي أدّت اليها عمليةُ القضاء على «داعش» على يد أكثر من قوة محلّية وإقليمية أو دولية، وهو ما أدّى إلى إعادة توزيع مواقع القوى العسكرية التي تدير العمليات في سوريا مجدّداً وفق خريطة مُحدَثَة لمواقع القوى بحيث استعاد النظامُ السوري مدعوماً بالقوات الروسية وإيران و«حزب الله» وميليشيات أخرى بعضاً من المناطق مقابل سيطرة القوى الأخرى المدعومة أميركياً وسعودياً وتركياً وقطرياً ودول أخرى من الحلف الدولي على مناطق أخرى. فظهرت «خريطة» جديدة جيو – سياسية وعسكرية وطائفية وقبلية لم تكن قائمةً بهذا الوضوح سابقاً.

وتعترف المراجع الديبلوماسية، أنّ الواقع الجديد قاد حتماً الى تغييرٍ جَذري في هويّات المفاوضين في المرحلة المقبلة التي ستلي القضاء على «داعش» وآليات جديدة ستتحكّم بالمفاوضات المقبلة. وتأكيداً لوجود هذه المتغيّرات الكبيرة تجدر الإشارة الى ظهور مواقع جديدة للحوار في الملف السوري وحوله تحت عناوين شتى أبرزها تلك التي تبحث في مستقبل سوريا وشكل الدولة ونظامها ودستورها الجديد.

فإلى مسلسل جنيف الذي توقّف في محطته الرابعة، انطلقت مفاوضاتُ أستانة وصولاً الى محطتها السادسة في وقت تستعد قاعدة حميميم الروسية لاستقبال نوع جديد من الحوار في نهاية الشهر الجاري.

وكل ذلك يجري تزامناً مع النقاش الذي انطلق في الأمم المتحدة، حيث ترعى الممثّلية الروسية نقاشاً من نوع آخر حول صيغة موسكو المقترَحة للدستور السوري الجديد، ما عدا تلك المؤتمرات التي شهدتها روما وفيينا وانطاليا وبروكسل ولندن والكويت والتي خُصِّصت إما للأوضاع الإنسانية والإجتماعية للنازحين واللاجئين السوريين، أو للبحث في قضايا أخرى متصلة بأوضاع دول الجوار السوري ومناطق النزوح التي توزّعت بين أطراف أوروبا المتوسطية كاليونان وقبرص والمانيا وغيرها من دول الشتات.

وتوقفت المراجع الديبلوماسية التي تتابع التطورات العسكرية عند مستجدات العمليات العسكرية التي أعادت انتشارَ القوى الدولية على مساحة سوريا انطلاقاً من الحديث عن المناطق الآمنة الأربع التي أُنشِئت إحداها في الجنوب السوري برعاية روسية وُصفت بأنها لتوفير الأمن القومي لإسرائيل، فأبعدت الإيرانيين و«حزب الله» عن حدود الجولان المحتل.

بالإضافة الى الدور المصري الذي أدار بلا حضور عسكري «المنطقة الآمنة» في ضواحي دمشق وريفها الغربي توصّلاً الى منطقة حمص وأريافها الممتدة الى تدمر جنوب شرق المنطقة، وريف حلب شمالاً وصولاً الى المنطقة الرابعة في إدلب التي هندسها الحلف الثلاثي الجديد بين تركيا وإيران وروسيا في «آستانة 6».

والى هذه المناطق الأربع تظهر الى العلن منطقة خامسة في الرقة العاصمة السياسية لـ «داعش» والتي لم يقرّ بها التفاهم الثلاثي الروسي ـ الإيراني ـ التركي الى اليوم.

وهي على ما يبدو ستكون منطقةً كردية – سعودية برعاية أميركية، بدليل أنّ المؤسسات السعودية المتخصّصة بشؤون الإعمار قد وصلت اليها فور إعلان إفراغها من «الدواعش» بغطاءٍ حكوميٍّ سعودي لمجرد أن توفد السعودية اليها وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان وفريق عمله الرفيع المستوى.

وكل ذلك تمّ على وقع تشكيل المجلس الأعلى لإدارة الرقة بحدودها الإدارية القديمة على أن تشكّل وحدات من أبناء المنطقة وعشائرها لإدارة شؤونها الأمنية والإدارية كما الإعمارية استباقاً لأيِّ برامج خاصة بالإعمار في المناطق الشبيهة بها والتي تعرّضت للتدمير الجزئي أو الكلي في سوريا.

ومن هذه المنطلقات تقرأ التقارير الديبلوماسية ما استجدّ في الرقة وإدلب على أنهما من المناطق التي ستشهد استقراراً عسكرياً وإدارياً لمجرد خلوّها من القوى المتنافرة برعاية سعودية وأميركية في الرقة التي توسّعت في اتجاه آبار النفط السورية في ريف دير الزور الشمالي التي سبقت القوات الكردية القوات النظامية السورية اليها بعد سيطرتها على دير الزور وأريافها ما عدا الشمالية ـ الشرقية منها.

وكما في الرقة، كذلك في إدلب التي دخلتها الوحدات العسكرية التركية النظامية على وقع التفاهم مع المجموعات الإسلامية الموالية لها بعد إخلاء مواقع «داعش» من أطرافها الشرقية باستثناء جيب عفرين الكردي الذي بات تحت حصار القوات التركية لفصلها نهائياً عن أيّ مشروع يوحّد القوة الكردية من عفرين الى عين العرب «كوباني» امتداداً الى الحسكة والقامشلي الكرديّتين حيث تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية»(قسد) الكردية.

وعليه، فقد تزامنت كل هذه التطوّرات مع فشل الأكراد في إقامة نواة دولتهم المستقلة في كردستان العراقية امتداداً الى المناطق السورية والعراقية الشمالية كما الأطراف التركية الجنوبية بسبب عدم اعتراف جيرانهم الثلاثة بنتائج الإستفتاء الأخير الذي جاء في غير وقته وزمانه.

ففقدت السلطات الكردية شبه المستقلّة حلمَها بالإستقلال بدلاً من تكريسه، وتبخّرت كل الإنجازات السابقة التي تحقّقت منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 وخسرت مناطق غنيّة بالنفط في كركوك ومحيطها، ما يوحي بعودة مشروع الإستقلال الكردي الى ما دون الصفر بكثير في جوانب عدة.

وثمّة مَن يعتقد أنّ نشوء «جمهوريّتين» موقّتتين في الرقة وإدلب على رغم صعوبته بات أقرب الى التحقّق ممّا كان يحلم به الأكراد بدولة مستقلة كاملة المقوّمات الكيانية.

وانتهى الحلم الكردي وبات من التاريخ الذي يمكن استعادتُه من خلال المحاولات الكردية الأربع سعياً الى الإستقلال منذ نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1921 والتي انتهت كلٌّ منها بتوافقٍ دولي سمح بإنهائها عسكرياً تارة بخطوة إيرانية وأخرى عراقية كما البريطانية والتركية وصولاً الى الأميركية آخر التجارب التي عاشتها المنطقة منذ العام 2003 الى الآن.