لا أحد يعرف أين تنشر السيدة ميلانيا ترامب غسيلات زوجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكننا نعرف تماماً كيف ينشر الإعلام الأميركي وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي أخبار رئيسهم ويتهكّمون عليه وعلى أخطائه، وأصبحوا في مرحلة كما لو أنهم باتوا زاهدين في الدنيا ومشاغلها وليس وراءهم شيء سوى اصطياد هفوة لترامب حتى يصنعوا منها فقرات كوميدية وتقارير إخبارية وتغريدات وبوستات وصوراً وفيديوهات…
أصبح ترامب منذ ما قبل انتخابه رئيساً للجمهورية وحتى اليوم، منجماً للهفوات وزلّات اللسان والمواقف المضحكة وحتى المعيبة، ولعلّ آخرها كان تعليقه على الأحداث العنصرية والعنفية التي وقعت في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا.
فبعد التظاهرات الحاشدة للعنصريين البيض (White Supremacists) والـKKK والنازيين الجدد (Neo-Nazis)، لم يدن ترامب بشكل مباشر هذه الجماعات التي مارست إرهاباً على الناس…
نَسي ترامب الإدانة واستفاقت أمّة الإعلام الأميركي والتواصل الاجتماعي عليه، وانهالت في الليلة ذاتها الانتقادات من كلّ حدب وصوب على مخّ ترامب، وخصّصت البرامج المسائية الساخرة (Late Night Shows) فقرات كاملة للتصويب على هذا الخطأ، وغصّ «تويتر» بملايين التغريدات… وبعد كلّ هذا، لم يتمّ توقيف سوى بعض الأشخاص المتورطين في هجمات شارلوتسفيل، بعدما رضخ ترامب للضغط الإعلامي والشعبي وعاد عن هفوته ودانَ العنصريين لاحقاً.
بَس يبدو إنّو ترامب إمّو مش مصليتلو لأنو ما قدر يعمل فنّان بلبنان، ويريّح راسو من كلّ النقد والحكي يلي بيزعجو، ويقصف عمر يلّي بيجيب سيرتو.
نحنا صراحة أصبح لدينا غيرة كبيرة من الأميركيين ويمكن حتى الأوروبيين، ليس لأننا نريد التعليم المجاني والطبابة المجانية، ولا حتى من أجل تعويض نهاية الخدمة وضمان الشيخوخة.
نحن متواضعون وكل ما نريده هو مساحة صغيرة، ليست أكبر من موقف سيارة في بناية مكتظّة، مساحة لنعبّر فيها عن رأينا ونطرح انتقاداتنا… لا أحد يريد شتم رئاسة الجمهورية ولا الذات الإلهية، ولا أحد يبحث عن مخرج لارتكاب الخيانة العظمى والتواصل مع الأعداء أو تمرير مخططاتهم الفكرية، ولا نشر الفكر الداعشي والنازية الجديدة.
نحن لا نحلم بأكثر من المساحة لانتقاد فنّانة يطغى صدرها على صوتها، أو فنّان جهلان يركض خلف النسوان بدل الألحان، أو ربما المساحة لانتقاد فيديو كليب على أخطائه التقنية ومسلسل على ركاكته الانتاجية وهفواته الإخراجية، مساحة لفِعل هذا كلّه بلا ما حدا يفتح أبواب الجحيم ويتهمّ كل من تجرّأ على انتقاده بالسفالة والعمالة.
وحَاج بقى نتنطّح ونقول إنو لبنان بلد الحريّات، لأنو مبيّن إنو صار بلد الجزمات.
كل ما وجده الله واخترعه الانسان وقطفه الحيوان وشعرت به الحشرات بيروح لقدّام، باستثناء اللبناني الذي لا يعمل في فيتاسه الوطني إلّا الأريير، وترانا نغرق يوماً بعد يوم في رفض ثقافة النقد على كافة المستويات وعند جميع الأشخاص والشخصيات.
ونركض على الأربعة لاستيراد المنتجات والمعلّبات الأميركية، وإذا سمعنا لا سمح الله بأنه تمّ انتقاد الرئيس الأميركي على موقف أو هفوة، نعود بسرعة إلى داخل علبتنا الفينيقية الكنعانية الارجوانية، ونقتل أول واحد على أول إشارة حمرا إذا انتقد أسلوبنا في القيادة، ولم يقدّر مستوى النشاز في انفتاح أخلاقنا.
لم يعد هناك حاجة لنذكّر أنفسنا بأنّ الأميركان طلعوا عالقمر ولَيك نحنا وين… لأنّ الأميركان ينتقدون رئيس بلادهم ونحن لا نستطيع حتى الإشارة إلى فستان الفنّانة المفخوت.