عشية الجلسة الحادية والعشرين لانتخاب رئيس للجمهورية، توقّفَ مسؤول دينيّ مسيحي أمام خريطة المواقف اللبنانية والعربية وتداعياتها على لبنان، داعياً القادة الموارنة خصوصاً والمسيحيين عموماً للمبادرة إلى إنقاذ الدولة والكيان، ووضع الباقين أمام مسؤولياتهم لإنهاء الشغور الرئاسي. فما الذي قرأه المسؤول؟ وما الذي اقترحَه؟
يتباهى القادة الموارنة في كتُب التاريخ التي وضعَها مؤرّخون بأنّهم آباء للكيان اللبناني بحدوده المعترَف بها دولياً منذ العام 1920، وقيل إنّه وُلِد بجهود البطريرك الياس الحويّك، الذي سُمّي «بطريرك الاستقلال ولبنان الكبير».
وعليه، فقد رغبَ مسؤول دينيّ مسيحي أن يوجّه رسالة إلى مسيحيّي لبنان ليلفتَهم أنّ هذا اللبنان الذي «تدَّعون أبُوَّته» أمام «إمتحان تاريخي صعب»، من دون أن يعفيَ المسلمين من هذه المسؤولية، فهُم شركاء طبيعيون، لكنّه رغبَ في توجيه رسالته الى المسيحيين منهم عمداً.
وقال: إنّ ما يعيشه لبنان في ظلّ الانهيارات التي تشهدها كبرَيات الدوَل والأنظمة العربية، بما فيها من مظاهر الربيع والخريف العربيَين معاً، يدعونا إلى وقفة ضمير والمبادرة إلى أيّ خطوة نعتقد أنّها ضرورية لحماية لبنان الذي يقف اليوم على قاب قوسين من أن يكون في مهبّ الريح طالما إنّ الداخل يَغلي على وقع انقسامات مذهبية إسلامية عميقة، وطالما إنّ الحدود المشتركة مع الجارة الوحيدة سوريا قد ألغِيَت على مسافات طويلة، فيما بحرُنا وجَوّنا يشهدان على مختلف أشكال الانتهاكات.
وأضاف: إنّ ما شهدناه في الأعوام القليلة الماضية من انهيار للدوَل والحدود لا يدفعنا إلى التغنّي بما نشهده من هدوء واستقرار بحَدّه الأدنى، لأنّ لذلك سقوفاً يجب التنبُّه لها. فلبنان هو الدولة الوحيدة في هذه البقعة من العالم الذي كان يشهد شكلاً من أشكال الديموقراطية التي تنشُدها شعوب عربية.
وشهدَ انتقالاً طبيعياً للسلطة، على رغم بعض مراحل الشغور الرئاسية، بدليل أنّ لدينا اليوم ثلاثة رؤساء سابقين للجمهورية أحياء، وهو أمر غير موجود في أيّ دولة غير إسرائيل.
ولذلك، ومع الأخذ في الاعتبار ملاحظات أخرى مهمّة، علينا مقاربة الاستحقاق الرئاسي لتقليص فترة الشغور في أسرع وقت ممكن. فالحديث عن الرعاية الدولية لا يمكن أن يكون دافعاً للاستسلام أمام الاستحقاق. وتحديداً عندما نراقب ما يحدث حولنا من صراع مذهبي سنّي – شيعي أطاحَ بالوجود المسيحي والأقلّيات الأخرى في سوريا والعراق إلى ما دون مستوى الخطر الوجودي بعد السياسي.
كان ذلك قبل أن ينفجر الوضع في اليمن، فتشنّج الداخل على وقع الانقسام المذهبي نفسه، ولكن بوتيرة أكبر وأخطر جرّاء الخطابات التي خرجَت عن المألوف، فهدّدت مصالح اللبنانيّين في الخارج، ورفعَت من حجم انعكاسات ما يحصل هناك على الداخل في صراع يبدو في وجه من وجوهِه وجودياً.
فمواقفُ القيادات الإسلامية الأخيرة من خلال انشطارِها الحاد، تَشي بأنّ الاستحقاقَ الرئاسي بات في خبر كان.
وأنّ انتظار التفاهم الإيراني – السعودي لانتخاب الرئيس بات بَعيدَ المنال وما على المسيحيين سوى المبادرة إلى تسمية مَن يتوافقون عليه رئيساً للجمهورية، أو على الأقلّ وقف التصنيف بين المرشّحين بعدما تحوَّل «الأقوياء» منهم مادَّة تجاذب مذهبي إقليمي ومحَلّي.
وسألَ المسؤول: ألم يُدرك المسيحيّون بعد أنّ اثنين من أربعة مرشحين أقوياء، إنْ صحَّ هذا التصنيف، باتا خارجَ حلبة السباق إلى قصر بعبدا نهائياً. ولأسباب مذهبية داخلية وإقليمية باتت واضحة قبل حرب اليمَن وبعدها. لذلك يبقى أمام المسيحيين المبادرة إلى عَقدِ الرهان على الآخرَين، فإنْ توافَقوا على أحدهما كان به، وإلّا فالسعي إلى أسماء أخرى ليس صعباً. فمِن العَيب ومظاهر العجز حصرُ هذا الموقع بهذه اللائحة ونقطة على السطر.
وانتهى المسؤول الروحي إلى القول: إذا صحّ أنّ المسيحيين والموارنة هم أمّ الصبي، فعلى بعض قادتِهم وقف الرهان على التقلّبات الخارجية لركوب موجاتها المذهبية إلى القصر الجمهوري لإنقاذ ما تبَقّى من موقع الرئيس والصلاحيات، والسعي إلى استعادة ما فقَدوه في صراعاتهم وحروبهم العبثية. وليتنبَّهوا أنّ الأخطر إذا صحَّ حدوثه، أن يسقط بندُ انتخاب أو وجود رئيس للجمهورية في لبنان من جدوَل أولويات العالم.
فحضورُ لبنان في قمّة شرم الشيخ والمؤتمرات الأخرى وشكل التعاطي مع وفده الحكومي – الرئاسي أينما حلّ في الدوَل التي زارَها الرئيس تمّام سلام ظاهرٌ لمَن أراد أن يرى. وثمَّة مَن يقول إنّ لبنان بات قادراً على المشاركة في قمّة لو عُقِدت في مكّة، فما حالَ دون ذلك مرّةََ ليس موجوداً.