بقدر ما تكبر المخاوف من توتير المناطق السنية في البقاع والشمال، تكمن المحاذير التي تدفع الاطراف المعنية الى تفادي القيام بمغامرات كبير
تشتدّ يوماً بعد آخر أزمة لبنان الامنية، فيما تكبر المخاوف، نتيجة تداخل عوامل اقليمية ومحلية، من تفاقم الضغط الأمني في ثلاث مناطق اساسية، هي: عرسال، والشمال (عكار والمنية – الضنية وطرابلس)، والبقاع الغربي والعرقوب.
وتبدو التحذيرات الأمنية من خطورة هذه البقع مبررة، نتيجة ما حصل في عرسال مطلع آب الماضي، ولا تزال تردداته تؤثر في الساحة الامنية من الشمال الى الجنوب، وخصوصاً في ضوء ما ينقل يومياً من مشاهدات وتظاهرات وعمليات دهم أمنية.
تسلّم أوساط سياسية بوجود قيادات وشخصيات تبدي انحيازها الى افكار ومشاريع «سنّية» لا لبس فيها، وتثير ريبة الطوائف الاخرى. فمجلس المطارنة الموارنة ناشد، أول من أمس، المرجعيات الإسلامية الرسمية اتخاذ موقف واضح وصريح من هذه «الظاهرة الإرهابية اللادينية». وهذا يعني، بحسب ما قاله المطارنة في بيانهم الشهري، انه لم يصدر بعد كلام واضح عن المرجعيات السنية حول الصورة الجديدة للشارع السني في ضوء المظاهر التي تجلّت فيه اخيراً. وبقدر ما يتأخر هذا الاعلان الصريح، رغم تأكيدات قيادات سنّية بأن هذا الشارع ليس بيئة حاضنة للارهاب، تبدي الطوائف الاخرى خشيتها من ألا يكون الجنوح نحو التطرف حالات شاذّة، بل حالة عامة شبه مؤيّدة لهذه التنظيمات وخصوصاً في مناطق حساسة شمالاً وبقاعاً.
بحسب هذه الاوساط، فان المناطق المذكورة تعيش حالات أمنية يجب الحذر منها وإيلاؤها الاهتمام نظراً الى الخشية من قابلية لدى بعض المجتمعات لتقبل هذه الظواهر. لكن لا مخاوف من أن تتحوّل هذه المناطق ذات الاكثرية السنية «معاقل أمنية منعزلة»، او تشهد حالات تمرد كبيرة كالتي عرفتها المدن الكبرى في العراق وسوريا، لأسباب محلية وموضوعية. منها ان المجتمع السني اللبناني ليست له هيكلية ميليشيوية موحدة او طاغية، بالمعنى والشكل الذي حدث في العراق وسوريا. وهذا لا يعني ان لا ميليشيات مسلحة او مجموعات «بالمفرق» ـ وقد تكون كثيرة العدد ـ قادرة على تحريك الارض ميدانياً عند اي استحقاق امني، او زعزعة الاستقرار في بعض البؤر الامنية المعروفة. لكن، رغم خطورة هذه المجموعات والخلايا الارهابية التي قد تنشأ عنها، فإن لا قدرة لها على اسقاط منطقة بكاملها، ولا مظلة واحدة تمسك بكل هذه المجموعات التي لا قدرة لها على القيام بحركة تمرد شاملة تسيطر من خلالها على مدينة او منطقة، على حد ما يتخوف البعض، مثل طرابلس او العرقوب او عرسال.
السعودية تريد الحفاظ على نفوذها في لبنان كما هو حالياً
علماً ان لهذه المناطق خصوصيتها الامنية التي تفرض على اي طرف، يسعى الى الامساك بالارض فيها، الأخذ في الاعتبار جملة عوامل وعناصر سياسية وأمنية واجتماعية وطائفية. ففي العرقوب والبقاع الغربي، ينبع الخوف من ان يؤدي أي تطور عسكري كبير في الجانب السوري الى تحريك الارض في الجهة المقابلة لبنانياً. لكن، أي طرف محلي او اقليمي يمكن ان يغامر في توتير منطقة يضع فيها حزب الله ثقله العسكري والامني كمقاومة (تجاه اسرائيل وغيرها)؟ وكيف يمكن لأي جهة ان تعتقد ان الحزب الموجود في منطقة البقاع الشمالي وامتداده السوري يمكن ان يقف الى الحياد مع اي تطور فائق الخطورة؟
اما من جهة الشمال وأقضية عكار وطرابلس والمنية ـ الضنية، فأي طرف يمكن ان يرفع وتيرة عمل مجموعاته المسلحة في اقضية على تماس مع الاقضية المسيحية، مع كل الموجبات والتأثيرات التي يمكن ان تتركها على التركيبة اللبنانية وعلى العلاقات الداخلية والاقليمية؟
يضاف الى ذلك عنصران مهمان:
الاول اقليمي ويتعلق بدور السعودية التي تريد في الوقت الراهن الحفاظ على نفوذها في لبنان، كما هو حالياً، لا أكثر ولا اقل. وهذا يعني انها تلعب دوراً في كبح جنوح اي طرف نحو اي مغامرة من نوع السيطرة على منطقة معينة، ولا سيما ان التسلح أثبت في 7 ايار عدم جدواه.
والعنصر الثاني امني وعسكري، هو ان قدرة المجموعات المسلحة، على استقدام السلاح بكميات او مسلحين بأعداد وافية، لتحقيق مثل هذه المشاريع، ليست كبيرة في ظل التدابير الامنية المتخذة في الداخل وعلى الحدود. علماً ان معركة عرسال لم تبدأ الا من خارج لبنان، ومن قاموا بها أتوا من سوريا. وبحسب ما يظهر، فإن الامداد اللوجيستي لأي مجموعة تحاول تركيب مشروع تمرد كبير، لم يعد امراً سهلاً. لا يعني ذلك ان قدرة هؤلاء معطّلة، بدليل عمليات الدهم والقاء القبض على مسلحين والعثور على ذخائر واسلحة ومتفجرات. الا انهم يستطيعون القيام بتفجيرات وباعمال مخلة بالامن، ولكن محدودة بالمكان والزمان. وهنا تكمن، مجدداً، خطورة ملف النازحين السوريين. فعمليات الدهم التي تستمر بوتيرة يومية، على كامل مساحة لبنان، تظهر تباعاً خطورة وجود تجمعات سورية، يُخشى معها ان تستفيد بعض الاطراف منها لتكبير حجمها. وحينها يجب دق ناقوس الخطر، لأن اي تقاطع وتماس بين تجمعات النازحين السوريين في بعض المناطق مع اطراف لبنانية او من خارج الحدود، وعلى شاكلة معركة عرسال، يمكن ان يكون مقدمة لتركيب مشروع كبير على مثال ما حصل العراق وسوريا.