ما جرى ويجري في مجلس الوزراء، في اطار مناقشة مشروع موازنة 2015، يثير الكثير من التساؤلات في شأن جدية المناقشات، وفي شأن جهل القسم الاكبر من الوزراء للملفات المالية المتصلة بالموازنة، وفي شأن سلسلة الرتب والرواتب التي صارت في قلب الصراعات السياسية، والأرجح انها طارت الى غير رجعة.
قبل يومين من اجتماع مجلس الوزراء في السابع من ايار الجاري، ضمن سلسلة الاجتماعات المقررة لمناقشة وإقرار مشروع موازنة العام 2015، فوجئ اعضاء لجنة المال والموازنة النيابية بدعوة الى عقد اجتماع للجنة، لمناقشة اقتراح مرفوع من الحكومة لاقرار قانون يسمح بفتح اعتماد اضافي بقيمة 874 الف مليار ليرة.
المفاجأة جاءت بناء على امرين: اولا، توقيت الاقتراح، على اعتبار انه يأتي في الوقت الذي تتمّ فيه مناقشة الموازنة العامة في الحكومة تمهيدا لرفع المشروع الى المجلس النيابي. ثانيا، المبلغ المطلوب والذي ارتفع بشكل لافت مقارنة مع الاعتماد الأخير في 30 تشرين الاول 2014، والذي بلغت قيمته 626 مليار ليرة.
في موضوع ارتفاع حجم الاعتماد المطلوب، تكمن الاجابة في «الاسباب الموجبة» التي أرفقتها الحكومة في طلب إقرار قانون فتح الاعتماد. اذ جاء في التبرير، «حيث ان القانون رقم 1 الذي صدر في 30/10/2014 لم يعد يؤمّن سوى جزء من النقص اللاحق بالرواتب والاجور وملحقاته ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، اذ جرى تأمين جزء من احتياطي موازنة العام 2014. ولما كان التوظيف في القطاع العام ما زال مستمرا في ضوء الاوضاع الراهنة، مما يستوجب تأمين الاعتمادات اللازمة لتغطية هذا الاجراء…»
لكن قراءة الارقام المخصصة للرواتب والاجور سوف تكشف انها ارتفعت بحوالي مليار دولار منذ الموازنة الاخيرة في العام 2005، أي بمعدل 100 مليون دولار في السنة، لكن المفارقة انها ارتفعت حوالي 250 مليون دولار في السنة الاخيرة.
وهذا الواقع مُقلق على المستوى المالي، وهو ما يفسّر جزئياً ارتفاع العجز في مشروع موازنة 2015 الى حوالي 5 مليار دولار، وهو رقم قياسي لم تبلغه اي موازنة أخرى. مع الأخذ في الاعتبار ان هذا العجز محسوب على اساس ان الموازنة سوف تقر الايرادات الجديدة المخصصة اصلا لتمويل السلسلة، ولم تحتسب الانفاق الذي قد يترتب على دفع السلسلة.
الغريب هنا، ان الوزراء وافقوا على الفصل الاول من مشروع الموازنة، والذي يتضمّن الانفاق والايرادات واصدار سندات خزينة بالليرة والعملات، وبعضهم يقول ان قضية دمج السلسلة في الموازنة سوف تناقش لاحقا، وانه مع الدمج! وهنا تبدو الامور ملتبسة، فمن وافق على الفصل الاول انما وافق على فصل السلسلة عن الموازنة، من حيث يدري – وهذا مكر – أو لا يدري – وهذا جهل، وفي الحالتين مصيبة.
اذ كيف يمكن ان يوافق الوزراء على الانفاق والايرادات، ويقروا الموازنة ومن ثم يبدأون مناقشة فصل او دمج السلسلة. فهذه المناقشة المتأخرة تعني عمليا نسف كل المناقشات السابقة ، والبدء من جديد. على اعتبار ان الانفاق في حال ضُمّت السلسلة الى الموازنة سوف يرتفع من جديد، كذلك الايرادات قد تحتاج الى اعادة نظر، على اعتبار ان الضرائب والرسوم المقترحة لم تعد تكفي لتمويل السلسلة.
وفي المناسبة، فان ارتفاع حجم الاموال المخصصة للرواتب والاجور، يشير الى ما بين 15 و20 في المئة. وهذا يعني ارتفاع كلفة سلسلة الرتب والرواتب بالنسبة نفسها تقريبا. هذا الامر سيحتّم اعادة النظر بكل ارقام الانفاق التي وضعت سابقا لتغطية كلفة السلسلة.
في الشق الثاني المتعلق بتوقيت رفع اقتراح فتح الموازنة، هذا الامر أثار بدوره تساؤلات اذا ما كانت الحكومة غير مؤمنة بأن الموازنة سوف تمر،
مع انها تحاول ان تعطي الانطباع بأنها مقتنعة بأن الموازنة سوف تُقر. وإلا ما تبرير اقتراح فتح الاعتماد اليوم، فيما الحاجة الى المال الاضافي، لن تظهر قبل ايلول المقبل، والمبالغ الاضافية المطلوبة موجودة في الموازنة.
وبالتالي، كان يمكن الانتظار على الاقل لإقرار الموازنة في الحكومة ومن ثم احالتها الى المجلس، ذلك ان اقتراح فتح اعتماد بعث برسالة سلبية الى الداخل والخارج، مفادها ان الحكومة غير مؤمنة ضمناً بأن الموازنة سوف تمشي.
في كل الاحوال، لا تبدو بعض الاطراف السياسية متحمسة لاقرار مشروع الاعتماد الجديد. اذ انها غير مستعجلة لاراحة وزير المالية، والفريق السياسي الذي يمثله.
وبالنسبة الى تيار المستقبل، و14آذار، حان الوقت لانهاء قضية قطع الحساب، واقفال ملف الـ8900 مليار، خصوصا ان هذا المبلغ صار زهيدا قياسا بالمبالغ الاضافية التي يتم انفاقها بسلفات خزينة او باعتمادات مقوننة، لتغطية الفارق بين ارقام موازنة 2005، والأرقام التي بلغها الانفاق في العام 2015.
يبقى ان هذه المناقشات في لجنة المال والموازنة، وفي مجلس الوزراء، ترتدي الطابع السياسي، اكثر من المنطق المالي والاقتصادي. وبالتالي، فان قراءة المؤشرات السياسية يمكن ان تقود الى استنتاج مفاده ان الاعتماد المطلوب حاليا (874 الف مليار ليرة) لتغطية الرواتب والاجور لن يمر سريعا، وستتم عرقلته بهدف التفاوض على سلة كاملة.
كما ان الموازنة، وفي حال مرت في الحكومة، فانها ستمر بلا سلسلة الرتب والرواتب. وبالتالي، سيكون على المواطن دفع سلة جديدة من الضرائب والرسوم، من دون ان يستفيد اصحاب الحقوق من الحصول على سلسلة الرتب والرواتب.