IMLebanon

التجاهل والتجهيل

التوازن هو القاعدة الذهبية لأي حوار يروم النجاح، والتوازن بمعناه السياسي، هو الابتدى والخبر، ويليه جدول الأعمال، الذي يجب أن يتناول الأمور الخلافية، وليس المتفاهم عليها، أو في الحالة الثانية يغدو مضيعة للوقت.

وتجهيل الأمور الخلافية، أو تغييبها، لا يلغي وجودها، وبالتالي احالة هذا الوجود الى التفاهم والمعالجة قبل ان تستفحل أخطارها، وإلاّ نصبح كالنعامة التي تغرز رأسها في الرمل، وتظن ان الصيّاد لم يرها.

وتجهيل الأمور المعلومة، كتجهيل الفاعل في القضايا الجرمية، يلجأ اليه القضاء عندما يفتقد للبيّنات والشواهد، فيريح الفاعل الحاذق، الذي يعرف كيف يحمي نفسه بخوف الآخرين من الاشارة اليه، لكنه يبقي قلوب المتضررين جمراً تحت الرماد…

ويدخل في هذا النطاق التجهيل السياسي، أو تجهيل المسؤولية السياسية، الذي برز في موضوع الاستحقاق الرئاسي، حيث العتب على بعض المرجعيات الرفيعة، انها تتمسك بالتعميم من دون التخصيص أو التحديد، عند حديثها عن الجهات المعطلة لجلسات المجلس الانتخابية…

المقاطعون معروفون، والذين بسبب مقاطعتهم الدائمة مضى حتى الآن ما يزيد عن ستة أشهر معطوفة على ١٦ جلسة انتخاب فاقدة للنصاب، ومع ذلك ما زال الحديث عن المقاطعة والمقاطعين، بالجملة، لا بالمفرّق، وما زالت الموازاة مستمرة بين الحاضر للجلسات الانتخابية، وبين المقاطع لها، بين العاصي والطائع… وعلى الناس أن تضرب بالرمل…

علماً أن المسألة لا تتطلب البحث والتمحيص، فهناك كتل نيابية معروفة وموصوفة، تغيب عن جلسات الانتخاب لإفقاد النصاب، ومع ذلك ليس من مرجع يسمّي الأشياء بأسمائها.

الصورة عينها نراها في موضوع خطف العسكريين من قبل داعش والنصرة، حيث يتناول التجهيل لجهة المسؤولية من منع الحكومة من اعتماد مبدأ المقايضة بعد المفاوضة!

لقد توالى على الكلام في ساحة رياض الصلح أمس، العشرات، والجميع طالب بالمفاوضة والمقايضة وتحدثوا عن الموانع المكبلة لارادة الحكومة، وتطرقوا الى القوى التي تجيز لنفسها القيام بما تمنعه عن غيرها، مع الإحجام عن تسمية الأشياء بأسمائها كالعادة…

الجميع يريد إشعال الحريق، لكنه يرفض أن يكون المبادر الى إشعال عود الكبريت!..

ان هذه الباطنية السياسية، تتحمّل الكثير من مسؤولية الوضع الراهن.

بعض المسؤولين في الفريق المعطّل للاستحقاق الرئاسي، وكذلك لمبدأ المفاوضة والمقايضة على مستوى العسكريين المخطوفين، قال ما تردّد بقوله أصحاب العلاقة…

النائب عاصم قانصوه قالها منذ ما قبل الشغور الرئاسي: يكون رئيساً من يتصل بالرئيس الأسد مهنّئاً باعادة انتخابه!..

ويبدو ان هناك من عمل بهذه النصيحة، لكنه أخفق في التعريف الجيّد عن نفسه كما يبدو…

ووزير الخارجية جبران باسيل قالها بالايحاء، أكثر من مرّة، وبالصراحة آخر مرّة، عندما برّر مقاطعته لخلية الأزمة الوزارية الخاصة بمتابعة قضية المخطوفين العسكريين، المتساقطين كأوراق الخريف عن شجرتي داعش والنصرة، بلا جدوى الخلية من دون التعاون والتنسيق مع الحكومة السورية…

وربّ قائل ان صراحة باسيل كلّفت فريقه ما تعرّض له عضو كتلة التغيير والاصلاح النائب الدكتور ناجي غاريوس، عندما أنزله أهالي المخطوفين عن منصّة الخطابة في ساحة رياض الصلح، قبل أن يعودوا ويوافقوا على أن يسمعوا منه بضع كلمات لا تعبّر عن حقيقة موقف كتلته.

لكن الاعتماد على الباطنية السياسية في التعاطي الرسمي مع هذا الملف المتفجّر، قد يقود البلد الى ما يجعل مما تعرّض له النائب غاريوس، على الشاشات المفتوحة، مجرد زلاّت ألسنة، أعماها الغضب…

ان الأصوات الحزينة والمتحشرجة التي صدحت من حناجر أهالي العسكريين المخطوفين أمس، تنمّ عن كوامن دفينة قابلة للاستغلال، فالانفجار في أية لحظة.

وان أصدق الحزن، ما رأينا أمس، من ابتسامات في عيون دامعة…