سلسلة الرتب والرواتب تبدو مثل مسلسل تلفزيوني تركي: حلقات وراء حلقات في موسم بعد موسم. مشاهد في مجلس الوزراء، مشاهد في اللجان النيابية ثم في الجلسات العامة، ومشاهد في الشارع للمطالبة باقرارها. لكن سيناريو السلسلة المرسوم والمعدل مرارا والمرتجل أحيانا هزيل. وهو صورة مصغرة لحال السلطة وطريقة ادارتها لقضايا الناس. فالكل يقول ان السلسلة حق لأهل الرتب والرواتب وإقرارها واجب. وكل ما حدث حتى الآن في البحث عن واردات لتمويل السلسلة، حيث القاعدة لا انفاق من دون موارد، هو التركيز على مصدر واحد: الضرائب. ومتى؟ في أزمة انكماش اقتصادي.
ولا جدوى، كما كشفت الاقتراحات القديمة والدعوات الجديدة في الجلسات الأخيرة، من مطالبة السلطة بالتفكير في واردات أخرى: وقف الهدر، وقف التهرّب الضريبي المقدر بعدة مليارات دولار، انهاء مخالفات الاملاك البحرية، وحلّ يؤمّن الكهرباء ويوفّر على الخزينة خسائر بأكثر من ملياري دولار سنويا. فالسلطة تتجنّب الاصطدام بأصحاب المصالح الأقوياء، ان لم يكن فيها شركاء لهم. ووزير المال يعترف بأن هناك سارقين محميين فيمر كلامه كأنه قصة عن بلد آخر. ولا أحد ينسى التعبير الشهير للعماد ميشال عون قبل انتخابه رئيسا: الدولة ليست مكسورة بل مسروقة.
والسارقون معروفون. والمسروقون هم بشكل خاص أهل الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة. ولا قيامة للبنان ان لم تتحسن أوضاع الطبقة الفقيرة وتزدهر أوضاع الطبقة الوسطى. لكن السياسة المالية والاقتصادية النيوليبرالية التي كانت ولا تزال تدار بها الأمور في لبنان تكاد تقضي تماما على الطبقة الوسطى. والضرائب التي يدور البحث عنها وفيها هي جزء من الوصفات التقليدية التي تزيد الأحمال الثقيلة على الطبقة الوسطى. وبعض ما قاد الى ربح دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية هو انحدار الطبقة الوسطى. الذي اعتبره فرنسيس فوكوياما أهم تغيير في أميركا والعالم وبالتالي أخطر تغيير.
ومن الصعب العثور على عبقرية تستطيع ان تصنع المفارقة المذهلة التي صنعها ترتيب مشروع استغرق درسه سنوات: سلسلة يعترض على ضرائبها العمال وأرباب العمل والمواطنون العاديون وبعض النواب، ويعتصم احتجاجا على بعض ما فيها الذين جاءت تحت عنوان إنصافهم: أساتذة التعليم الثانوي، القضاة، الضباط والعسكريون المتقاعدون، وسواهم.
وليس هذا سوى جزء من سلسلة أكبر. فلا اتفاق على قانون انتخاب، وسط الخطاب الجماعي الداعي الى قانون جديد، والمدعوم بدعوات المجتمع الدولي الى إتمام الاستحقاق الانتخابي. ولا رؤية مالية واقتصادية، ولا حتى توازن في موازنة تتم مناقشة مشروعها بعد اثني عشر عاما من اللاموازنات.