بعد زيارة الرئيس الأميركي أوباما للرياض، بدأت الصحافة الأميركية والبريطانية تحديداً في البحث عما يعيب السعودية، حتى ولو «فبركة»، إذ وجّهت الصحف الغربية انتقادات جمة لأوباما، بدعوى أن السعودية لا تستحق زيارة رئاسية، إذ إنها تطبق عقوبة الإعدام (للعلم حوالى 33 ولاية أميركية تنفذ حكم الإعدام إلى جانب الحكومة والجيش الأميركي)، وأن سجلها الخاص بحقوق الإنسان تشوبه شوائب. والحقيقة أن السعودية لم تزعم يوماً أنها تمنح الحقوق كاملة غير منقوصة.
ولما تمت الزيارة بالطريقة التي رأى أوباما أن السعودية وملكها الراحل عبدالله بن عبدالعزيز وقائدها الجديد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يستحقونها بذلك الوفد الأميركي الأضخم في تاريخ البيت الأبيض، لم تجد الصحف المناهضة للمملكة سبباً للانتقاد سوى «فبركة» قصة خيالية تتعلق بالسيدة الأولى ميشيل أوباما.
وزعمت صحف أن الأميركية الأولى قصدت أن تتحدى التقاليد السعودية بعدم ارتدائها غطاء على رأسها! وزعمت أخرى أن الملك سلمان لم يهتم بالسيدة الأولى! وادعت صحف أن السيدة أوباما أصيبت بالإحراج لأن بعض المسؤولين السعوديين لم يصافحوها! واعتبرت صحف أخرى أن زوجة الرئيس الأميركي وجّهت بمظهرها في الرياض رسالة احتجاج على أوضاع المرأة السعودية!
وكتبت صحيفة «نيويورك بوست»، وهذه مؤيدة لإسرائيل، بعد الزيارة مباشرة خبراً بعنوان «العاهل السعودي الجديد يحيي أوباما ويتجاهل السيدة الأولى»، وتحت العنوان مباشرة نشرت صورة يبدو فيها الملك سلمان وبجانبه ميشيل أوباما وزوجها يقوم بتحية مستقبليه السعوديين! فيما كتبت شبكة «سي إن إن» على موقعها أن الصحافيين الذين قاموا بتغطية وصول أوباما للرياض لاحظوا أن الملك سلمان سلّم على الأميركية الأولى، وأن ذلك حدث مع وزيرتي الخارجية السابقتين هيلاري كلينتون ومادلين أولبرايت والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حين زرن المملكة في أوقات سابقة. وتساءلت «سي إن إن» بشكل استنكاري بما معناه «وماذا يعني؟»، وأضافت أن التقاليد والكرم السعودي يعنيان أن ضيفك يجب أن يعامل كفرد من أسرتك.
وأضافت أن مسألة عدم تغطية السيدة الأولى رأسها في الرياض ليست سابقة، إذ زارت السيدة الأولى السابقة لورا بوش المملكة في 2007 من دون غطاء. ومثلهما فعلت كلينتون في 2010، بل إن وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس التي انضمت لوفد أوباما جاءت أيضاً بلا غطاء للرأس.
ما لم تُشر إليه الصحف أن ميشيل ارتدت زياً أزرق، في حين أن رايس وزعيمة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي حرصتا على ارتداء زي أسود يليق بمناسبة الحداد والعزاء، التي من أجلها اختصر الرئيس زيارته للهند للتوقف في العاصمة السعودية، وتعزية السعوديين في الراحل الكبير الملك عبدالله، إضافة إلى مناقشة الملك سلمان في تعزيز العلاقات الثنائية.
والأشد إثارة للانتقاد أن أجهزة إعلام أميركية وأخرى غربية زعمت أن التلفزيون السعودي قام خلال تغطيته لاستقبال الوفد الرئاسي في الرياض بحذف صورة ميشيل، ما دعا السفارة السعودية في واشنطن إلى تكذيب تلك المزاعم من خلال حسابها على موقع «تويتر». وبدا واضحاً أن تلك الصحف انساقت وراء مزاعم بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تتقيد عادة بضوابط أخلاقية وأدبية في نقل الأخبار والمعلومات والتأكد من دقتها وصدقيتها!!
الأكيد أن زيارة أوباما إلى الرياض قصد بها مساندة الولايات المتحدة للمملكة، وأنها حليف قوي وصديق للمملكة، كما أن الاجتماع الأخير بين الملك سلمان والرئيس أوباما يوثق استمرار التحالف بين البلدين المستمر منذ أربعينات القرن الماضي، وحتى إن مرت العلاقات بحالات فتور وبرود، فإنها لا تلبث أن تعود إلى طبيعتها، بدلالة أن أوباما زار الرياض بعدد كبير من النخب والقيادات السياسية الأميركية المؤثرة، كما حرص الملك سلمان على أن يكون في استقبالهم عدد مماثل من الأمراء والوزراء والمسؤولين السعوديين، ما يعني أن العلاقة بين الرياض وواشنطن استراتيجية ووثيقة، حتى وإن كثرت التحليلات والتكهنات والحسابات المعقدة بشأن تلك العلاقة أو ما يجري في المنطقة.