تكاد لا تمضي فترة زمنية قصيرة، إلاّ ونسمع تصريحاً لآية الله علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة في إيران، يقول فيه بصراحة: إننا نسيطر على أربع عواصم عربية هي: بغداد وصنعاء وبيروت ودمشق.
هذا الكلام من أعلى سلطة في الجمهورية الاسلامية الإيرانية ماذا يعني؟
إنه يعني بكل صراحة أنّ رئيس اليمن ورئيس العراق ورئيس سوريا ورئيس لبنان ليس لهم أي قيمة… هم فقط موظفون عند آية الله علي خامنئي فهل هذا صحيح؟؟؟
بالتأكيد لا.
أما اليوم فأريد أن أتحدّث عن سوريا، وأريد أن أشرح من خلال مقدمة صغيرة كيف كانت سوريا أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد وذلك من خلال حكم دام حوالى 30 سنة، أي منذ عام 1971 الى عام 2000 وتحديداً حتى 15 حزيران 2000.
سوريا كانت تعاني من عدم استقرار في الحكم حيث كان يُقال إنه منذ عهد الانفصال عن الوحدة مع مصر بدأ عهد الانقلابات في سوريا… وظلّت الحال هكذا، إلى أن وصل الرئيس الراحل حافظ الأسد الى الحكم كما ذكرت عام 1971… ومنذ ذلك التاريخ وسوريا عاشت حالاً من الاستقرار والتقدّم والتطوّر والبناء، لم تشهدها في تاريخها بالرغم من حرب أكتوبر 1973 المجيدة، يوم اتفق الرئيس الأسد مع الرئيس محمد أنور السادات ومع الملك حسين ومع المملكة العربية السعودية ومع دولة الكويت ومع الدولة العراقية أيام الرئيس صدّام حسين، على كل الأمور المتعلّقة بالمعركة.
تلك هي الحرب الوحيدة التي قرّر الرئيسان الأسد والسادات، القيام بها، وتعتبر هذه الحرب المرّة الأولى التي يقوم بها العرب بحرب ضد إسرائيل لاسترجاع الأراضي العربية المحتلة.
لن أتحدّث طويلاً عن إنجازات الرئيس حافظ الأسد… وكيف تحوّلت سوريا في عهده الى دولة من أهم دول المنطقة، دولة متطوّرة مستقرّة تفرض وجودها بجدارة.
عندما توفي الرئيس حافظ الأسد في العاشر من حزيران عام 2000 تسلّم ابنه بشار الأسد الحكم. وهنا استطاع الايرانيون إقناع الرئيس بشار الأسد ببناء المفاعل النووي، ودفعوا 4 مليارات دولار من أجل ذلك، وهو المشروع الذي كان الرئيس حافظ الأسد قد رفضه قائلاً إنّ النظام السوري لا يتحمّل هذا المشروع… وفعلاً قامت إسرائيل عام 2006 بتدمير مركز المفاعل النووي الذي بُني في دير الزور وكلّف 4 مليارات دولار.
المهم ان التركيبة الطائفية في سوريا تتشكل من 80٪ من السكان هم من السنّة والباقي من المسيحيين والعلويين والسريان والأرمن.
المشكلة ان آية الله الخامنئي، وعن طريق اللواء قاسم سليماني قام بتسليح سوريا بشكل مُغْرٍ تحت شعار محاربة إسرائيل وتحرير القدس.. لكنْ في الحقيقة تبيّـن ان مشروع ولاية الفقيه كان يهدف للسيطرة على سوريا، خاصة وأنّ هذا اللواء الذي سُمّي بـ”فيلق القدس” لم يطلق رصاصة واحدة على اسرائيل. ومنذ تأسيسه عام 1978 مع ثورة الخميني لم يقم بأي عمل ضد اسرائيل، إلاّ إذا كان يعتبر أنّ قتل أهل سوريا كان من أجل تحرير القدس، كما فعل الحرس الثوري الايراني من إبادة للشعب السوري في سوريا ومعه الميليشيات الشيعية العراقية ومعهما الأفغان الشيعة وحزب الله اللبناني، فبدل أن تكون تلك الحرب ضد اسرائيل ومن أجل تحرير القدس كانت من أجل السيطرة على الحكم في أربع عواصم عربية.
ولتأكيد الضرر الكبير الذي تسبّب به مشروع ولاية الفقيد لا بد من الاطلاع على هذا التقرير لنرى أين كانت سوريا قبل دخول مشروع ولاية الفقيه، وكيف صارت بعد دخول المشروع إليها:
ففي نهاية كل عام تجري الدول جردة حساب لها عن العام المنصرم، فتسلّط الضوء على منجزاتها لتضع استراتيجية جديدة تستفيد منها في العام المقبل.
لكن الحال يختلف بالنسبة لسوريا… إذ هي تحتل صدارة القوائم السوداء للعام 2020، بعد أن أنهكتها حروب السنوات العشر فيها.
فماذا حصل لسوريا المنكوبة في العام السابق:
أولاً: سوريا هي الأسوأ بين دول العالم على صعيد الحرية الانسانية حسب تقرير “فريدوم هاوس” الصادر عام 2021. إذ هي احتلت المركز الأول في انعدام الحريات السياسية والحريات المدنية، ومخالفة الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ثانياً: سوريا الأكثر استبداداً لحرية الصحافة، وهي الأخطر تهديداً للحرية الصحافية، إذ احتلت المركز 173 عالمياً، كما تحتل المركز ما قبل الأخير عربياً حسب التقرير الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” عام 2021، كما ان سوريا تحتل ذيل القائمة بين الدول التي تنتهك حرية الصحافة بعد إحكام السلطات فيها السيطرة على وسائل الإعلام، وهي من أشد منتهكي حرية الصحافة منذ أحداث 2011، كما انها منعت دخول الصحافيين الأجانب إليها وقتل فيها أكثر من 700 صحافي محترف أو غير محترف، كما اعتقل أكثر من مائة صحافي لا يزالون في عداد المفقودين، كذلك لاحقت الشرطة الإلكترونية أي شخص يشكل تهديداً للدولة حسب مفهومها.
ثالثاً: سوريا الأكثر فساداً في العالم. فهي احتلت المرتبة الثانية عربياً من حيث تفشي الفساد فيها والثالثة عالمياً، وذلك حسب منظمة “الشفافية في الدول” والتي أجرت تصنيفها على 180 دولة. وسوريا تواجه فساداً مستشرياً ضخماً على رأسه غياب النزاهة، فهناك واحد من كل شخصين يتلقى رشوة، وواحد من كل أربعة يُقْمَع إذا لم يصوّت بطريقة معينة.
رابعاً: سوريا الأكثر فقراً لعام 2020 إذ بلغت نسبة الفقر فيها 82.5٪ من عدد السكان، في حين ان 33٪ من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، كذلك فإنّ 11.7 مليون سوري يحتاجون الى المساعدات الانسانية كالغذاء والماء.
خامساً: سوريا هي الأقل سلماً عالمياً حسب مؤشر “السلام العالمي” وتأتي في ذيل القائمة قبل اليمن وأفغانستان.
سادساً: سوريا من أخطر الدول على المرأة، وأشدّها انتهاكاً لحقوقها.. وهي تحتل المركز الثاني بين الدول التي تنتهك حقوق المرأة حسب مؤشر “جورج تاون” للمرأة. كما تعتبر سوريا الأسوأ في عملية العنف المنظم ضد المرأة والأسوأ إقليمياً في تأمين سلامة المجتمع. إشارة الى ان سوريا اعتبرت خارج التصنيف العالمي من بين 140 دولة في المحافظة على كرامة المرأة وحريتها.
وبعد، هل بإمكان سوريا الخروج من كل هذه القوائم السوداء في العام المقبل؟