جمانة حداد شاعرة وكاتبة لبنانية حازت جوائز عربية وعالمية عدّة، فضلاً عن كونها صحافية ومترجمة وأستاذة جامعية. تشغل منصب المسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة “النهار”، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة. اختارتها مجلة “آرابيان بيزنيس” للسنتين الأخيرتين على التوالي واحدةً من المئة امرأة عربية الأكثر نفوذا في العالم، بسبب نشاطها الثقافي والاجتماعي.
12 تشرين الأول 2015
(مهداة الى القارئ الكريم الذي كتب لي قبل أيام مؤكّداً أني سأحترق في جهنّم بسبب أفكاري)
سأذهب الى الجحيم.
سأذهبُ الى الجحيم لأني لا أعتبر الرجل رأسي، ولا يعنيني أن أكون رأسه. سأذهبُ الى الجحيم لأني لستُ امرأة “صالحة” في عرف من قرّروا عنكم وعنّي كيف تكون امرأةٌ ما صالحةً. سأذهبُ الى الجحيم لأني لا أطيع بعماء ولا أسكت على ظلم ولا أدير الأيسر. سأذهبُ الى الجحيم لأني لا أذعن بل أفكّر، ولا أقبل بل أختار، ولا أُعطى بل آخذ. سأذهبُ الى الجحيم لأني لا أصمت في وجهه إذا أخطأ في حقّي، ولا أعطيه ما لا يعطيني، ولا أعيش من أجله حصراً بل من أجلي أنا أيضاً (وأوّلاً). سأذهبُ الى الجحيم لأني لا أسير وراءه بل الى جانبه، ولا يكفيني ظلّه لأكون، ولا أسعى الى إرضائه على حساب اقتناعاتي. سأذهب الى الجحيم لأني لا أستمد افتخاري بنفسي من كوني زوجته أو ابنته أو شقيقته: أستمدّه ممّا حقّقت وممّا أنوي أن أحقّق. سأذهبُ الى الجحيم لأني لا أستحي بشَعري، ولا بوجهي، ولا بما أقرّر، وحدي، أن أظهره أو لا أظهره من جسدي. سأذهبُ الى الجحيم لأني أعتبر أن رغباتي حقّي، وأحلامي حقّي، وطموحاتي حقّي، وإشباع ما أوتي لي إشباعه منها حقّي. سأذهب الى الجحيم لأني لا أحتاج الى حمايته، ولا الى ماله، ولا الى إرشاده: فقط الى حبّه. وهو عطاؤه الأقصى. سأذهب الى الجحيم لأني لا أراه أذكى منّي بالضرورة، ولا أراني بالضرورة أذكى منه. لا أراه أقوى، ولا أضعف. سأذهبُ الى الجحيم لأني أضع كرامتي قبل وصايا إلهه. سأذهبُ الى الجحيم لأني لا أربط أخلاقياتي بقطعة قماش تطمئن ذكوريته. سأذهبُ الى الجحيم لأني أرفض أن أكون ضلعه، تماماً مثلما أرفض أن يكون هو محض ملحق لي. سأذهبُ الى الجحيم لأني أقول لا، وسأذهب الى الجحيم لأني أقول نعم. سأذهب الى الجحيم لأني أرى إليه كإنسان لا كرجل، ولأني أطالبه أن يرى إليّ كإنسانة لا كامرأة.
سأذهب الى الجحيم لأني مقتنعة بأمور من مثل: “يسواه ما يسواني” و”كما تراني يا جميل أراك”. سأذهب الى الجحيم لأني حرّة، ولستُ مستعدة لأن أساوم على حريتي في سبيل الاحتفاظ به. سأذهبُ الى الجحيم لأن احترامه لي أهمّ وأثمن من هداياه الثمينة.
سأذهبُ الى الجحيم لأني وقحة، وقحة، وقحة.
أجل سوف أذهبُ حتماً الى الجحيم، “تكرمْ عينو” وعينك أيها القارئ الحريص، ولكن هناك مشكلة واحدة: أنا لا أؤمن بأنّ هناك جحيماً أصلاً يا عزيزي.