IMLebanon

المعابر غير الشرعية… من ضبط قرط الموز إلى ترسانة “الحزب” العسكرية

 

القرار 1701 وتجار الحدود ومسالك “حزب الله”

 

 

بالنار والدبلوماسية ربطت إسرائيل بين هدوء جبهة الجنوب وما أسمته “محاور تسليح حزب الله عبر الحدود السورية – اللبنانية”. فأكدت من خلال أكثر من 30 غارة شنتها على معابر لبنان البرية، معظمها غير شرعية، عدم تساهلها “حيال مساعي حزب الله لزيادة مخزون أسلحته”، ولم تتردد لأجل تحقيق هدفها بخرق اتفاق وقف النار، فتصدت بالنار مجدداً لما اشتبهت به من تحركات “مشبوهة” لزيادة “قدراته العملاتية”. فهل تؤدي النتائج التي انتهى إليها العدوان الأخير إلى فرض أمر واقع جديد على المعابر غير الشرعية؟ هل يحدث ذلك، إن لم يكن عبر تدمير البنية التحتية لإمدادات “حزب الله” العسكرية، فإنما بتعطيل دورها كجزء من تطبيق القرار 1701 المتضمن ضمناً مندرجات القرارين 1559 و1680؟

 

طرح موضوع الحدود البرية وضبطها، خصوصاً في ما يتعلق بوقف تسليح “حزب الله” عبر المعابر الفاصلة بين لبنان وسوريا، كجزء من تطبيق القرار 1701 منذ انتهاء حرب تموز عام 2006. وكان يفترض أن تواكبه حينها خطة استراتيجية لإدارة عسكرية متكاملة للحدود، استعانت الحكومة اللبنانية بألمانيا في وضع مشاريع تجريبية لها. إلا أن الأخيرة انسحبت من المشروع، لتتلقفه بريطانيا مع توفير تجهيزات متطورة للجيش تضمنت أبراج مراقبة، وكاميرات، وحساسات، وغيرها من وسائل المراقبة الدقيقة لحركة المعابر، والتي تأجل وضعها في الخدمة إلى ما بعد انتهاء معركة فجر الجرود.

 

 

في مواجهة عصابات المعابر وعسكرها

 

لا تزال أفواج الجيش البرية تنتشر على طول 450 كيلومتراً من المساحات المحاذية للحدود السورية. غير أن مهمتها تعيقها “عصابات” المعابر و”عسكرها” المحتمي ببيئاته الحاضنة، خصوصاً في منطقة رأس بعلبك – الهرمل. وهذا ما أقرن فرض السيادة الشرعية على هذه المعابر، بقرار سياسي. فيما الأخير بقي مفقوداً في ظلّ معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” التي تبنتها الحكومات المتعاقبة.

 

بوابة المشاكل

 

طالما شكّلت المعابر غير الشرعية بوابة المشاكل للبنان منذ ما قبل احتلال الجيش السوري للبنان، وحتى ما بعد خروج جيشها من أراضيه. وقد تنوعت عناوين هذه المشاكل فلم تحصر بالأمن والاقتصاد وإنما تعدتهما إلى توظيف فتح المعابر أو إغلاقها في إيصال الرسائل السياسية. في المرحلة الأخيرة فقط، كانت هذه المعابر بوابة استنزاف أموال المودعين اللبنانيين في دعم بضائع هرّبت بمعظمها إلى سوريا كسراً لقانون قيصر الذي فرض العقوبات الاقتصادية عليها. هذا إلى جانب ما لعبته من دور في إغراق لبنان بآلاف السوريين الذين نزحوا من سوريا وما زالت إقامتهم في لبنان غير شرعية. وأما تواطؤ القابضين على حركتها مع جيش الهجانة السوري فقد قدّم بكل الأحوال مصلحة سوريا ونظامها على لبنان. فهي بسلطتها “المستقوية” على السلطة اللبنانية، بقيت صاحبة القرار بوقف أي نشاط للتهريب أو السماح به، لكنها لا تفعل ذلك إلا وفقاً لما تقتضيه مصلحتها الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادية.

 

 

أنفاق استراتيجية عند الحدود الشرقية؟

 

استدرجت هذه المعابر الغارات الإسرائيلية في عدوانها الأخير على لبنان، وقد تركز الجزء الأكبر من الغارات الإسرائيلية على المعابر غير الشرعية في منطقتي القصر والقصير بشكل كبير، على رغم تمدد العدوان في أيامه الأخيرة إلى منطقة “جنتا” البقاعية، الواقعة خارج تغطية الأفواج العسكرية البرية. فكان نصيب منطقة الهرمل والبلدات اللبنانية المحاذية للحدود مع سوريا وازناً من صواريخها. ولم تكتفِ إسرائيل باستهداف الجانب اللبناني من الحدود، إنما تمددت إلى داخل الأراضي السورية، ذلك قبل أن يعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بالتزامن مع سريان اتفاقية وقف العدوان، عن تدمير إسرائيل “نفقاً استراتيجياً يمتد من سوريا إلى لبنان بطول 3.5 كيلومترات، استغرق إنشاؤه نحو 10 أعوام.

 

زيتا، الشواغير حاويك، الفاضلية، مطربا، مصرية، الصفصافة، حمام، سيغمانية، وادي حنا، ربلة، السويدية، بجاجية، فاروقية، جنطلية، عين دمامة، أكوم، العصفورية، غوغران، بلوزة، السماقيات، جميعها قرى لبنانية لا يُعرف ما إذا كانت تقع ضمن مساحة الـ 10452 أو خارجها، نظراً للتداخل الكبير بين الأراضي اللبنانية والسورية في منطقة الهرمل. وعليه تنشط عبر هذه القرى التجارة غير الشرعية للسلع، بحجة تلبية الاحتياجات المعيشية. وهذا ما حولها بمثابة “بورا جافة”، تقع تحت سيطرة العشائر ومن يدور في فلكها. ومن بلدات القصر وحوش السيد علي وسهلات المياه يمكن الإشراف على كل عمليات التهريب التي تجرى عبر هذه القرى، والتي تقع جميعها تحت نفوذ “حزب الله”، الذي لا يوازيه نفوذ أي سلطة رسمية لبنانية، وحتى بعد أن ثبّت الجيش اللبناني أبراج مراقبته الموضوعة تحت إشراف فوج الحدود البري الثاني وكثف كمائنه لها.

 

الحماية التي يتمتع بها مهربو هذه المنطقة هي وليدة البيئة التي تحتضنهم، ولكنها أيضا مقترنة بتسهيلات يقدمها الجانب السوري، تتيح تبادل كل شيء” تقريباً، من راس البندورة وقرط الموز إلى السلاح، من دون اعتراضات ومناوشات تعكر على المهربين صفو عملياتهم.

 

إصبع بمفعول ترسانة

 

لهذه المعابر بعد سياسي وأمني أكثر استراتيجية، اتّضح خصوصاً عندما تورط “حزب الله” بحربه في إسناد النظام السوري بمعركته التي خاضها مع معارضيه في ريف حمص وتحديداً في القصير. فأمنت تلك المعابر سبل الدعم اللوجستي والعسكري، خصوصاً عبر شرايين القصر وحوش السيد علي.

 

يبلغ إجمالي عدد المعابر في هذه المنطقة نحو 26، تشدّد الجيش اللبناني بتفكيك البنية التحتية لنحو 17 منها، كونها متواجدة داخل الأراضي اللبنانية، فهدم جسورها المبنية فوق سواقي المياه، وقلّص من قدرتها على الإلتفاف على حواجز الجيش المستحدثة. لتبقى هناك تسعة معابر أخرى تسيطر عليها عصابات تهريب لبنانية- سورية، لكنها تقع داخل الأراضي السورية ويبدو تعطيل دورها أكثر صعوبة.

 

توقف نشاط معظم هذه المعابر خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان “حفاظاً على سلامة عابريها من تجار الحدود” وفقاً للمعلومات. ومع ذلك بقيت في مرمى العدوان الإسرائيلي، الذي وضعها تحت مراقبته الدائمة خصوصاً في منطقة حوش السيد علي.

 

 

قبل تورط “حزب الله” في إسناد النظام السوري بمعركته على شعبه السوري، لم يكن اللبنانيون يعلمون بوجود بلدة في بلدهم اسمها حوش السيد علي. هي بلدة صغيرة تمتد على شكل إصبع داخل الأراضي السورية، لكن مفعول هذا الإصبع يحدده مركز لـ”حزب الله” متمركز على جسر التقاء بين بدايته ونهايته، يطلق عليه أبناء المنطقة تسمية “معبر حزب الله”.

 

انكشفت أهمية هذا المعبر الاستراتيجية عندما استخدمه “حزب الله” في تمرير “قوافل فك الحصار”. هي التسمية التي ألقاها الأمين العام السابق حسن نصرالله على صهاريج المازوت الإيراني التي عبرت من منطقة الحوش إلى الأراضي اللبنانية من دون حسيب أو رقيب، بذريعة دعم حاجة لبنان للمادة في إيصال رسائل التحدي للمقررات الدولية. فشكل “الإصبع” كياناً مستقلاً عن سائر المعابر الأخرى، ومتفلتاً من شتى المعوقات الجغرافية والعسكرية.

 

وضعت إسرائيل المعبر ومحيطه من ضمن لائحة أهدافها في عدوان 2024، فخصته بأكثر من غارة، أسفر بعضها عن مقتل لبنانيين وسوريين. ليترافق ذلك مع اتهام الجيش الإسرائيلي لمسؤولين سوريين بمساعدة “حزب الله” في نقل الوسائل القتالية بطريقتين رئيسيتين، هما تخزين الوسائل القتالية قبل نقلها إلى لبنان في مستودعات تابعة للجيش السوري، وتقديم تسهيلات ملموسة عند المعابر الداخلية السورية التي تديرها وحدة الأمن العسكري السورية.

 

الفتنة حاضرة إلّا إذا…

 

بدت ورقة إعلان وقف إطلاق النيران الأخيرة أكثر وضوحاً وحزماً لناحية ضبط الحدود. وإن ترجمت في صياغتها الاستجابة لرغبة الطرف الإسرائيلي بمنع استعادة الترسانة الحربية لـ”حزب الله”. وقد حددت هذه الأهداف من خلال النص الواضح للفقرتين السادسة والسابعة من الإتفاق، اللتين شددتا على “مراقبة ومنع أي دخول غير مصرح به للأسلحة والمعدات ذات الصلة إلى جميع أنحاء لبنان، بما في ذلك جميع المعابر الحدودية، وكذلك منع الإنتاج غير المصرح به للأسلحة والمعدات ذات الصلة داخل لبنان”. بالإضافة إلى الفقرة الحادية عشرة التي دعت إلى “نشر القوات العسكرية والأمنية الرسمية في جميع الحدود، وعلى جميع المعابر البرية والجوية والبحرية المنظمة وغير المنظمة”.

 

غير أن تطبيق هذه الشروط يحمل في طياته عناصر الفتنة وإثارتها بين الأطراف اللبنانية ما لم يكن قائماً على توافق سياسي تام على تطبيقها. فهل تتأمن هذه الرعاية السياسية من خلال تبني أميركا وفرنسا جهود الوصول الى اتفاق وقف النار؟ وهل تسمح إمكانيات الجيش اللبناني بتحمل الأعباء الكبيرة التي ستلقى على عاتقه في ضبط الحدود الجنوبية بالتوازي مع سائر الحدود البرية في المرحلة المقبلة؟

 

 

جهوزية الجيش لتطبيق القرارات السياسية

 

وفقا لمصادر الجيش فإنه على أتم الجهوزية للقيام بمهماته متى توفر الغطاء السياسي، فهو كما تقول المصادر “ليس صاحب القرار لكنه يد التنفيذ”. وعليه تستبعد المصادر أي إمكانية للتقصير بالمهمات عند الحدود الشمالية والشرقية متى بدأ الانتشار في الجنوب، مؤكدة أن مهمات الأفواج البرية ستبقى على حالها، على أن يبدأ تطويع العناصر تدريجياً وصولاً لتأمين ستة آلاف عنصر ستدرس القيادة عملية توزيعهم على المهمات كافة. علماً أن وزير الدفاع أحال إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء مؤخراً مشروع مرسوم يقضي بإعطاء وزارة الدفاع – قيادة الجيش سلفة خزينة بقيمة 113 مليار و250 مليون ليرة، لتغطية الكلفة الشهرية لتطويع 1500 جندي لمدة ثلاثة أشهر.

 

في المقابل لمست مصادر سياسية مواكبة للأحداث، إيجابية في الكلمة الأخيرة للأمين العام لـ”حزب الله”، خصوصاً لناحية تأكيده “على التنسيق العالي المستوى بين الجيش والمقاومة لتنفيذ التزامات اتفاق وقف النار”. على أمل ألّا تكون مجرد كلمة إنشائية.

 

 

 

 

 

مطلوب توافق… والعبرة بالتنفيذ

 

بحسب النائب في كتلة الجمهورية القوية فادي كرم المتابع لاجتماعات لجنة الدفاع الوطني، فإن “حزب الله” اليوم هو غير “حزب الله” ما قبل الحرب. والقرارات التي صدرت تفرض واقعاً مختلفاً لا بد أن يلتزم به خصوصاً لناحية استخدام المعابر للتزود بالأسلحة. وإنما العبرة برأيه تبقى بالتنفيذ، الذي يتطلب “احترام القرار 1701 الذي وافق عليه “الحزب” من خلال تفويض منحه للرئيس نبيه بري للوصول إلى وقف العدوان، كما وافقت عليه الحكومة اللبنانية، وأبدى الجيش استعداده لتنفيذ مندرجاته، وهو وقادر على ذلك وهناك لجنة دولية ستساعده على ذلك وستدعم الجيش”. كما شدد كرم على “أن الجيش اللبناني قادر على ضبط الحدود، وستتعزز إمكانياته مع تزويده بأسلحة وتقنيات إضافية، لأن الحدود ليست بحاجة لعديد كبير إنما لتقنيات متطورة، ولقرار سياسي يبدو متاحاً حالياً، وقد وقعت عليه الحكومة ووافق عليه الطرف الذي كان يخالفه أي حزب الله ومحور الممانعة”.

 

على جبهة الممانعة رأى رئيس لجنة الدفاع الوطني جهاد الصمد رداً على أسئلتنا “أن العبرة هي أيضاً في التزام إسرائيل بمندرجات اتفاق وقف العدوان، وهي حتى الآن لم توقف عملياتها في لبنان وهذا ما يعرضه للخطر”. مشيراً “إلى أن التهريب عبر الحدود ظاهرة عالمية وتشكل أميركا والمكسيك أبرز مثال لعدم القدرة على ضبطها. وبالتالي لا يمكن لأحد إلا ان يكون مع الحدود المضبوطة، وأن تفرض الدولة سيادتها على كامل أراضيها”. إلا أنه ربط ذلك أيضاً بحوار مطلوب على المستوى السياسي، ينتهي إلى تحديد من هو عدونا وقال “لا يمكن أن يحكم لبنان إلا بالتوافق” معتبراً “أن التوافق يجب أن ينسحب على كل القرارات المتخذة، لأنه في هذا البلد لا يمكن لأحد أن يكسر أحداً”.

 

وشدد الصمد على “أننا كلنا وراء الجيش ومع الجيش في سبيل بسط الأمن والسيادة والدفاع عن لبنان، وليس لتطبيق القرارات الدولية فقط”. معرباً عن اقتناعه بضرورة التوصل إلى استراتيجية دفاعية، تضع كل الأسلحة الموجودة بلبنان في مواجهة إسرائيل ولا تتسبب بنفور عند أي طرف من الأطراف اللبنانية. فهل حقاً دخلنا في مرحلة من الحوار والتفاهم، ستحقق أخيراً مصلحة لبنان واللبنانيين، كما أمل الصمد؟