Site icon IMLebanon

يحقّ لقبرص ما لا يحقّ للبنان… “فتّش” عن المصالح والقرار!

 

مئات من المهاجرين غير الشرعيين جعلوا قبرص تستنفر و»تدق ناقوس الخطر». الجزيرة الأوروبية لم تنتظر لا مؤتمر بروكسل ولا أي قرار من الاتحاد الأوروبي أو موافقة من المجتمع الدولي أو تعاون لبناني، لكي تعالج مشكلة الهجرة غير النظامية بحراً من لبنان إلى أراضيها، عبر قوارب تحمل نازحين سوريين. «عالسريع» اتخذت الدولة القبرصية تدابير علاجية لما تعتبر أنّه خطر يُحدق ببلدها. في المقابل، لا يزال لبنان يتحدّث عن «خطط» لملف النازحين السوريين بعد 13 عاماً على بدء أزمة النزوح وعن إحصاء وتعداد وتصنيف للسوريين الموجودين على أراضيه والذين تخطّى عددهم المليونين، وعن انتظار قرار من بروكسل أو مساعدة من قبرص أو غيرها، في وقتٍ تزداد الحوادث والاعتداءات الجرمية المرتكبة من سوريين بما يُنذر بانفجار هذا الملف أمنياً تماماً كما سبق وانفجر اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وديموغرافياً، و»الدولة تتفرّج».

 

طيلة السنوات السابقة كان التواصل والتنسيق بين قبرص ولبنان قائماً، خصوصاً مع الجيش اللبناني، لمنع انطلاق مراكب الهجرة غير النظامية من الشواطئ اللبنانية في اتجاه قبرص. ومن المعلوم أنّ الدول الأوروبية، لا سيما المتوسطية منها، تستخدم لبنان كـ»منطقة عازلة» بينها وبين النازحين السوريين، فبالمنطق الأوروبي إنّ مئات أو آلاف من هؤلاء اللاجئين يهدّدون «مصالح» أوروبا فيما أنّ مليوني سوري أو أكثر في لبنان حيث يشكّلون نسبة 40 في المئة من سكانه، «لا بأس» في أن يتحمّلهم بلد غارق في الأزمات أساساً ودولة مهترئة، إلى حين التوصُّل إلى حلّ سياسي شامل في سوريا.

 

وصول أعداد كبيرة من طالبي اللجوء السوريين بحراً إلى قبرص منذ مطلع نيسان الجاري، دفع الرئيس القبرصي إلى زيارة لبنان فوراً وبحث هذه المسألة مع المسؤولين. كذلك سارعت الحكومة القبرصية إلى اتخاذ تدابير فورية حاسمة من دون مراعاة «الحقوق الانسانية» للمهاجرين، لوقف تدفقات الهجرة. كذلك عمدت قبرص خلال هذا الأسبوع إلى رفض استقبال عائلات سورية أتوا إلى الجزيرة عبر مركب انطلق من شواطئ المنية شمال لبنان، فاعترضته السلطات القبرصية ومنعت دخوله أراضيها ليعود أدراجه إلى المياه الإقليمية اللبنانية. في المقابل، أعاد لبنان استقبال هؤلاء الذين وصلوا إلى اليابسة منذ أيام. وإذ كان يُمكن أن يتعرّض هذا القارب للغرق أو لأي حادث بما يُشكّل خطراً على حياة هؤلاء السوريين، إلّا أنّ قبرص لم تأخذ هذا العامل في الاعتبار ورفضت استقبالهم. ماذا لو فعل لبنان ذلك؟ الإجابة معروفة: «كانت قامت القيامة ومن الاتحاد الأوروبي أولاً».

 

فلماذا يحقّ لقبرص ما لا يحق للبنان، علماً أن لا مجال للمقارنة بين تأثير الأزمة على كلّ من الدولتين وأنّ لبنان ليس بلد لجوء؟ ولماذا لا يزال لبنان مكتوف الأيدي أو «متفرّجاً» على غرقه؟

 

يشير الوزير الأسبق المحامي زياد بارود إلى أنّ قبرص جزء من الاتحاد الأوروبي ولديها غطاء أوروبي كامل، بينما لبنان متروك لوحده «يتخبّط» وبدلاً من مساعدته هناك لوم وكلام قاس بحقه، على رغم أنّه فتح أبوابه للنازحين عندما كانت هناك أزمة انسانية حادّة. لكن هذه الأزمة الحادّة انتهت الآن، ولا بد من إعادة الأمور إلى نصابها.

 

ويلفت إلى أنّ «الجيش يحاول بمقدار المستطاع ضبط المعابر البحرية لكن كلّما يتخذ أي تدبير «تقوم القيامة عليه». وإذ يعتبر أنّ «هناك غياب لوحدة المعايير عند المجتمع الدولي في هذا الموضوع تحديداً»، يوضح أنّ «قبرص تحترم سيادتها، تتخذ قراراً وتنفذه، وبمعزل عمّا إذا كانت تعرّض المهاجرين إلى خطر أم لا، إلّا أنّ رفضها دخول مهاجرين غير شرعيين إلى أراضيها وارد في القانون الدولي وقانونها الداخلي، ولا يُمكن إجبارها على استقبال أشخاص يدخلون بصورة غير شرعية». أمّا في لبنان، فالوضع مختلف عن قبرص، إذ إنّ القرار السياسي لا يزال غائباً وكلّ ما نسمعه من السلطة السياسية أنّ الملف يُدرس، فيما أنّه أُشبِع درساً منذ عام 2011 من دون اتخاذ أي تدابير، ذلك لأنّ هناك انقساماً عمودياً بين اللبنانيين حتى في ملف يطاولهم جميعاً، وعلى رغم وضعهم الاقتصادي المهترئ لا يتمكنون من الاتفاق على هذا الموضوع.

 

كذلك يركّز بارود على أن «لا قرار لبنانياً رسمياً، فالحكومة لا تتخذ هذا القرار وتتحمّل مسؤوليته. هذا فضلاً عن أنّ البعض ممّن يتعاطون في هذا الملف لديهم حساباتهم التي لها علاقة بالعقوبات أو علاقاتهم ومصالحهم في الخارج». ويشدّد على أنّ هذا لا يعني التصادم مع المجتمع الدولي والأوروبي تحديداً المعني عبر المتوسط بهذا الموضوع بالدرجة الاولى. ويعتبر أنّ «هذه المسألة تتطلّب حواراً صريحاً ومواقف صلبة في الوقت نفسه، فبمقدار ما يجب على لبنان التحاور مع الجميع بمقدار ما يجب أن يكون صلباً بموقفٍ يحمي نفسه به».

 

إذا أراد لبنان التحرُّك هو يملك بين يديه إجراءات قانونية عدة. ويوضح بارود أنّ «العودة الطوعية» لا تعني ترك اللاجئ يقرّر إذا كان يريد أن يعود إلى بلاده أم لا، بل إنّها تعني أنّه إذا بات بإمكانه العودة فيجب عليه أن يعود. فعلى سبيل المثال، إذا كانت المنطقة التي يتحدّر النازح منها آمنة أو أنّه لا يواجه أي مشكلة مع النظام السوري، فما الذي يمنع عودته؟ وما الذي يمنع ضبط الحدود لجهة الخروج والدخول؟ فأي سوري يدخل إلى سوريا ولا يملك إجازة عمل في لبنان، لا لزوم لأن يبقى في البلد.